تُعنى المؤسسة التعليمية والأسرة والمجتمع بكافة مؤسساته بتنمية التربية الوجدانية لدى النشء؛ حيث إنها عملية إعداد يكتسب الإنسان منها ما يدعم كافة سلوكياته المرغوب فيها ويعضد المبادئ والقيم التى يؤمن بها المجتمع ويتبناها؛ فتتشكل ماهية الاتجاهات والميول والمعتقدات التى يؤمن بها، ومن ثم نجد أن عواطفه ومشاعره وكافة الانفعالات التى تصدر عنه تأخذ المنحنى الصحيح المتزن؛ فيحافظ على هويته ويعتز بثقافته ويفخر بحضارته ويحمى مقدراتها وموروثاتها.
وشراكة التنمية فى التربية الوجدانية لا يعنى أنها ليست مقصودةً ومخططًا لها؛ فما تحدثه المعارف من تشكيلٍ للبُنى يسهم بصورةٍ أساسيةٍ فى تكوين الجانب الوجدانى ينمو ويلاحظ أثره فى ترجمات سلوكية وممارسات متتالية يصدرها الفرد فى مواقفٍ عديدةٍ ومتعددةٍ سواءً أكان هذا فى الميدان المؤسسى التربوى أو فى مواقع الحياة المختلفة الأنماط والمواقف، ومن ثم يتعرف ويستكشف ما يحيط به بصورةٍ متدرجةٍ تساعده فى تكوين الإدراك السليم؛ فتصدر عنه الانفعالات والتى تعبر عما يكمن فى خلده وبدنه من طاقات متفاوتة الدرجة وفق تأثير هذا المجال المهم.
ورغم أن الأسرة قد يعوزها الإدراك والتخطيط لتنمية هذا الجانب الشعورى لدى الأبناء؛ لكنها تؤثر على مكنونه ونموه بصورةٍ لا يستهان بها؛ حيث إن ما يتعرض له الفرد من مواقفٍ داخل حيزها يعد محركًا لهذا المكون فى الاتجاه الإيجابى أو السلبى وفق ما يتضمنه من مفرداتٍ صحيحةٍ أو خاطئةٍ، وهذا بالطبع يلقى بالمسئولية المباشرة على الهيكل الأسرى بأن يتحرى صياغة وتشكيل المجال الوجدانى لدى الأبناء فى ضوء قواعد صحيح القيم التى يهدف المجتمع ويرغب لإسكابها وتنميتها لدى أفراده، كما تحث عليها العقيدة السمحة.
ودعونا نقر بأن أهمية تشكيل الوجدان لدى الفرد يعد من أسمى غايات التربية فى صورتها المتكاملة والتى يتعاون ويتشارك فيها كل من المجتمع ومؤسساته والأسرة بكامل كيانها؛ فما نود أن نشاهده أو نراه أو نتلمسه من سلوكياتٍ حميدةٍ قطعًا تتأتى من تربيةٍ وجدانيةٍ صحيحةٍ تشكل وتعضد النمط الصحيح لهذه السلوكيات مسئولة، وما يزعجنا من ظواهرٍ وانفعالاتٍ أضحت خارجةً عن سياقها تكمن أسبابها وراء هذه التربية فى جانبها الوجداني.
وجديرٌ بالذكر أن التربية الوجدانية تسعى إلى إكساب الأفراد المعرفة والمهارات اللازمة لفهم وادراك الاتجاهات والمـــشاعر والعواطف؛ ومن ثم تحقيقًا هدفٍ نحاول أن نعيشه جميعًا دون استثناءٍ، يتمثل فى نيل صحةٍ نفسيةٍ خاليةٍ من الأمراض بكل تنوعاتها، والحصول على الاتزان الانفعالى فى ظل اضطرابات وضغوط وتحديات وأزمات ومشتتات لم ولن ينجو أو يتحرر منها أحدٌ على وجه الكرة الأرضية، ومن ثم صار أثر هذه التربية إيجابى يساعدنا فى أن نتحلى بالمرونة والتكيف والرضا والتقبل والتوافق، ويحضنا على أن نتحمل مسئوليات تقع علينا، وهذا ما يؤكد أنه لا غنى عنها من المهد إلى اللحد.
وبما لا يدع مجالًا للشك فإن التربية الوجدانية تساعد فى أن ينمو الفرد بما لا يحدث لديه اضطراباتٍ قد تؤثر على مسيرة حياته المهنية والمعيشية وبما يجعله قادرًا على العطاء، ويستطيع أن يستمر فى تنمية ما لديه من ملكاتٍ عديدةٍ لديه بصورةٍ مقصودةٍ؛ فيغير من مستويات المهارات العقلية والأداء الملاحظ للأفضل دائمًا، ويتكون لديه شغفٌ للتعلم المستدام بغرض اكتساب مقومات الثقة بالنفس والشعور بالسعادة، وهذا ما يحقق ماهية الطبيعة الإنسانية التى نطلبها ونجاهد أن نحياها فى صورةٍ شاملةٍ.
وليس هناك جدالٌ حول أهمية الوجدان فى اكتساب مقومات التربية الجمالية لدى الفرد؛ حيث إن الأدراك والإحساس بجمال ما يدور فى فلك الحياة ومعايشته يقوم على ماهية التأمل فى بعديه الذاتى والخارجي؛ فالطبيعة وما بها من إبداعات وجماليات للخالق عز وجل تحتاج لوجدانٍ صافٍ راقٍ يمعن ويتدبر بمكنونها ومكوناتها ويرى أجمل تفاصيلها بعين البصيرة، وبدون شكٍ يحفز ذلك الفرد لأن يبدع ويبتكر ليحافظ عليها ويضيف إلى جمالها مزيدًا من الجمال.
إننا فى أشد الاحتياج لهذا المجال.. مجال التربية الوجدانية الذى أصبح ضرورةً وليس ترفاً، يفتح لنا طاقة نورٍ وأملٍ وتفاؤلٍ بالمستقبل، ويضمن تنميةً مجتمعيةً لأفرادٍ قادرين على إتقان العمل وتحمل المسئولية من خلال سعيهم الحثيث تجاه تحقيق المزيد من الابداعات والابتكارات فى تخصصاتهم النوعية، ومن ثم يحاولون أن يسخروا مقومات البيئة لخدمة البشرية بصورةٍ مستدامةٍ تحافظ على رونقها ومقدراتها؛ فيصبح الفرد إيجابيًا يحترم ذاته وبيئته والأخرين من بنى جنسه، ويلتزم بالإطار المجتمعى وفق قيمه النبيلة التى يؤمن بها ويعيش من أجلها، وهذا يدعونا أن نؤكد على مؤسساتنا التعليمية ضرورة الاهتمام بهذا المجال الرائع فى سائر ما تقدمه من مناشطٍ تعليميةٍ بسلمها التعليمي؛ فسر نجاة أجيالنا يكمن فى التربية الوجدانية متكاملة الأركان.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة