** جدي اهتم بتعليم ابنه القرآن الكريم على إثر رؤيا صالحة رآها له
** من عادة والد الحصري التصدق بالحصر لفرش المساجد
** علي الضباع شيخ عموم المقارئ المصرية طلب من والدي الانتقال بأهله للقاهرة لأن شيئا مهما ينتظره
** والدي حرص على السكن في منزل مستقل حتى لا يزعج جيرانه بكثرة زواره
** الحصري رفض تقاضي أي أجر عن تسجيل المصحف المرتل
"المصحف المعلم"، أحد أهم تراث الشيخ الراحل محمود خليل الحصري، هذا التراث الذي تلجأ له الغالبية العظمى من الأسر عندما تسعى لتحفيظ أبنائها الصغار القرآن، لا يكاد يخلو بيت منه، أصر على تسجيل القرآن دون أن يتقاضى أجرًا، عرف بين المصريين والشعوب العربية بأنه "قيثارة السماء ومعلم القراء"، إذا كنت من سكان منطقة أكتوبر أو من المترددين عليها كثيرا فلا بد أنك تعرف مسجده والذي أصبح محطة ينادي بها السائقون على المارة لإبلاغهم بالخط الخاص بسيارة الأجرة، إنه الراحل محمود خليل الحصري أحد أعظم قراء مصر الراحلين.
يعد "الحصري" أول من قرأ القرآن في البيت الأبيض، وقال عنه الشيخ محمود شلتوت شيخ الأزهر السابق :"ولدنا الشيخ محمود الحصري، عرفته قارئا مجيدا يخشى الله في قراءته ويتبع السلف الصالح في طريقتهم في قراءة كتاب الله تعالى فيما يجيد عنه قيد أنملة، ولا يبتعد عنها ما استطاع لذلك سبيلا، تملأ قراءته القلوب سكينة وأمنا وطمأنينة، وتفتح أمام أعين سامعيه سبل الهدي والرشاد"، كما تحدث عنه الإذاعي الشهير سعد المطعني في إذاعة القرآن الكريم "ترك لنا تراثا تستفيد به الأجيال لأعوام قادمة لا تعد ولا تحصى، فهو مولود من أجل القرآن، والدليل على ذلك، أنه أبدع في مجال المصحف المعلم والمرتل والمجود"، ويلقبه محبيه بـسفير القرآن وشيخ المقرئين".
ابنته الداعية ياسمين الحصري، كشفت خلال حوارنا معها الكثير من حياة والدها منذ أن كان طفلا، وسعى والده ليحفظه القرآن الكريم منذ صغره بعد أن رأى رؤية فسرت له بأن ولده سيكون من أهل القرآن، ومن شجعه على الالتحاق بالإذاعة وانتقاله للقاهرة، ثم قصة تلاوته للقرآن داخل الكونجرس الأمريكي والبيت الأبيض، وكيف جاءت له فكرة المصحف المعلم؟ ولماذا كان يحرص على السكن في منزل خاص؟ بجانب أبرز الأعمال الخيرية للشيخ وغيرها من القضايا والموضوعات في الحوار التالي..
من أول من اكتشف موهبة الشيخ الحصري؟
الشيخ الحصري كان موهوبا بالفطرة، وظهرت هذه الموهبة عندما التحق بكتاب القرية لحفظ القرآن الكريم، فقد وجد فيه شيخ الكتاب: قوة الحافظ، وفصاحة اللسان، ودقة المخارج، وسلامة الحروف، مع حسن صوت، وجودة تلاوة لا تكلف فيها، فصار يصطحبه معه في إحياء الليالي بالتلاوة في القرى المجاورة.
ياسمين الخيام
من دعمه خلال صغره في حفظ القرآن الكريم وتلاوته؟
فضلا عن اهتمام والده بتعليمه القرآن الكريم، على إثر رؤيا صالحة رآها، وفسرت له بأن ولده سيكون من أهل القرآن، وفضلا عن رؤية معلمه لنبوغه وموهبته، فقد كان الشيخ الحصري مختارا بكل ما تحمل الكلمة من معنى، فإن الله تعالى صنعه على عينه، وذلل له كل صعب عسير، وألان له التلاوة، كما ألان لسيدنا داوود الحديد.
هل لقب الحصري لكثرة تصدقه بالمصليات في المساجد؟
الحصري: لقب لعائلة الشيخ، نشأ عن صنعة جده الكبير، فقد كان رحمه الله ينسج الحصر المصنوعة من الخوص.
الشيخ محمود خليل الحصري
وماذا عن التصدق بالمصليات في المساجد؟
أما التصدق بالحصر لفرش المساجد، فكان من عادة والد الشيخ رحمه الله، وفي اليوم الذي فرش فيه الجامع الكبير بشبرا النملة بالحصير، رأى تلك الرؤيا الشهيرة، التي أنبأته عن اصطفاء الله لولده ليكون من أهل القرآن، أهل الله وخاصته.
متى بدأ يذيع صيت الشيخ الحصري على مستوى محافظته ثم على مستوى مصر؟
الشيخ الحصري رحمه الله ولد في عام ١٩١٧م، وأتم حفظ القرآن الكريم وهو في سن العاشرة، وقد بدأ صيته يذيع في قريته والقرى المجاورة لها في تلك الحدود تقريبا، أي من عام ١٩٢٧م وما بعدها، لكن شهرته بدأت تأخذ منحى أكبر وأوسع، بعد تخرجه من المعهد الأحمدي عام ١٩٣٨م.
لماذا؟
تخطت شهرته حينها محافظة الغربية، لتصل إلى أقصى الصعيد، مما كان تمهيدا لاعتماده في الإذاعة المصرية، عام ١٩٤٤م، وعمره سبع وعشرون سنة، ليصبح ذائع الصيت في مصر كلها، بل وفي العالم الإسلامي كله.
هل كان تعيين الشيخ الحصري إماما بمسجد الحسين هي بداية انطلاقه نحو أن يكون أحد أشهر القراء في مصر والوطن العربي؟
اختير الشيخ رحمه الله تعالى قارئا للسورة بالجامع الحسيني عام ١٩٥٥م، وكانت شهرته قد تخطت حاجز الزمان والمكان قبل هذا التاريخ بعشر سنوات تقريبا، ولكن هذا التعيين كان إشارة باطنة وظاهرة على مكانة الشيخ واصطفائه، فقد حضر إليه شيخه في القرآن الكريم وفي التصوف: العلامة الشيخ علي الضباع شيخ عموم المقارئ المصرية آنذاك، ليطلب منه الانتقال بأهله للقاهرة، لأن شئنا مهما ينتظره.
البطاقة الشخصية للشيخ الحصري
وماذا حدث بعد انتقال الشيخ الحصرى إلى القاهرة؟
ما إن استقر الشيخ بالقاهرة حتى فوجئ بقرار اختياره قارئا للجامع الحسيني، بعد أن قارنت لجنة من أكابر العلماء بينه وبين عشرة من كبار القراء، ليقع اختيارهم عليه هو، و بالإجماع، ولذلك لم يتنازل الشيخ عن هذه الوظيفة إلى وفاته، لأنها جاءته من طريق الإشارة الباطنة.
كيف أُلحق بالإذاعة المصرية ومن شجعه على ذلك؟
نصحه بالتقدم لاختبارات القراء بالإذاعة، أحد المشايخ الكبار بمدينة طنطا، وقد اعتمد عن جدارة في الإذاعة المصرية، وأذيعت أول تلاوة له بها في يوم الخميس، غرة ذي الحجة الحرام ١٣٦٣ هـ، الموافق: ١٦ نوفمبر عام ١٩٤٤م.
كيف جاءت قراءته للقرآن في الكونجرس؟
الشيخ الحصري رحمه الله كان حاضرا وبقوة في الشأن الديني العام، فيما يتعلق بالقرآن الكريم، ولذلك قرر فضيلة الإمام الأكبر الدكتور عبد الحليم محمود، شيخ الأزهر آنذاك اصطحاب فضيلته ضمن وفد مشيخة الأزهر، لزيارة الولايات المتحدة الأمريكية عام ١٩٧٨م
هل كان أول من يقرأ في المجلس الأمريكي؟
خلال زيارته للولايات المتحدة الأمريكية، افتتح الشيخ رحمه الله جميع اللقاءات بتلاوة آيات الذكر الحكيم، حتى طلب منه الرئيس الأمريكي جيمي كارتر أن يقرأ القرآن في البيت الأبيض، كما أذن فضيلته لصلاة الظهر في قاعة الكونجرس ليكون القارئ الأول، بل والوحيد الذي تتاح له هذه الفرصة.
الشيخ الحصرى والرئيس السادات
هل تقاضى الشيخ الحصري أجرا على تسجيله للقرآن الكريم؟
كل من حضر هذا الحدث العظيم، أعني الجمع الصوتي للقرآن الكريم، يعرف تمام المعرفة أن الشيخ الحصري رحمه الله لم يتقاض أي أجر عن تسجيل المصحف المرتل، بل إنه رفض ذلك، وقال: لا أتقاضى أجرا عن كتاب الله، ولعل الله كافأه بأن أبقى ذكره بين العالمين بسبب إخلاصه لربه ولكلام ربه.
لماذا كان الشيخ الحصري يحب السكن في منزل خاص بعد انتقاله إلى القاهرة؟
الشيخ رحمه الله كان مثالا حيا لأخلاق القرآن، متمثلا الأدب النبوي في المعاملات والسلوكيات، ولذلك كان يراعي أدب الجوار، حيث كان زوار الشيخ كثر، يأتيه أهل القرآن من كل فج، فحرص على السكن في منزل مستقل حتى لا يزعج جيرانه بكثرة زواره.
ما هي أبرز الزيارات الخارجية التي أثرت على الشيخ الحصري وظل يتذكرها؟
الشيخ رحمه الله كما قلنا كان حاضرا وبقوة في الشأن الديني العام، فيما يختص بالقرآن الكريم، وعلى مستوى العالم كله، ولذلك زار الشيخ رحمه الله جميع دول العالم تقريبا، فزار الهند، وباكستان، والولايات المتحدة الأمريكية، والاتحاد السوفيتي، والكويت، والسعودية، ونيجيريا، وإندونيسيا، وماليزيا، والجزائر، وغيرها كثير، ومن كثرة رحلاته رحمه الله، جمعها في كتاب خاص، سماه: رحلاتي في الإسلام.
الشيخ الحصري كان معروفا بأعمال الخير.. بماذا أوصى قبل وفاته؟
الشيخ الحصري رحمه الله كان صاحب صفات مميزة في كل جوانب حياته، لكن أكثر ميزة فيه أنه كان شخصية تتجه إلى الله تعالى بكل ما تستطيع، ولذلك لم يكن يهتم بالأمور الدنيوية، بل الدنيا وما فيها بالنسبة له، كانت مجرد وسيلة يستعملها في مرضاة الله، وفي خدمة كتاب الله، ودائما ما كان بيته مفتوحا للقراء، وأهل القرآن صغارا وكبارا، ويقصده الناس من كل مكان، وما رد واحدا من أصحاب الحاجات أبدا، مهما كانت حاجته، ولا يسأل لماذا أنت محتاج، ولا يتحقق من الحاجة، بل كان يعتبر مجرد الطلب والسؤال من أي شخص بمثابة رسالة من الله واجبة التنفيذ، وقد أنشأ في قريته مسجدا ومعهما أزهر يا على نفقته الخاصة، كما أوصى رحمه الله بثلث ثروته للإنفاق على أهل القرآن، وأعمال البر والخير.
الشيخ الحصري له تجربة فريدة في ترتيل القرآن ومن بعده الأطفال.. هل هو صاحب الفكرة وماهدفها؟
الشيخ رحمه الله كان مختارا من قبل الله تعالى لخدمة القرآن الكريم، وهذا ظاهر في جميع أعماله التي وفقه الله فيها لخدمة كتابه الكريم، والحقيقة أن استعراض مثل هذه الأعمال الكثيرة والكبيرة والموفقة والتي لم يستطع أحد أن ينافسها إلى يومنا هذا تؤكد أن هذه الأعمال كانت على سبيل الاصطفاء والاختيار من الله وبتوفيق منه سبحانه، ومن ضمن هذه الأعمال مشروع المصحف المعلم، والذي جاءت فكرته للشيخ رحمه الله بهدف تيسير تعليم القرآن الكريم على المبتدئين الكبار والصغار، وقد كان تسجيل المصحف بهذه الطريقة فتحا عظيما لأهل الإسلام.
كيف ذلك؟
لأن جميع الطلاب الصغار والكبار في كثير من البلاد العربية وغير العربية حفظوا القرآن الكريم بسماعهم من هذا التسجيل العجيب المتقن، بل ربما تتعجب إذا عرفت أن هناك من لا يحسن اللغة العربية، ولكنه حين يقرأ القرآن يقرأ على طريقة المصحف المعلم، لأنه تأثر بهذه الطريقة.
ماذا كانت أبرز نصائح الشيخ الحصري لأسرته؟
الشيخ رحمه الله كان عالما أزهريا، ورجلا من أهل القرآن، ولذلك حرص على تربية أولاده على الأخلاق القرآنية، والآداب المحمدية، وكان يوصينا دائما بصحبة القرآن، ويشجعنا على ذلك بالجوائز الأدبية والمالية، ويتولى تسميع المحفوظ لنا بنفسه، فلم تكن أعماله تشغله عن هذه المسؤولية تجاه أولاده.
هل كان للشيخ الحصري دور في دعم المقرئين وتشجيعهم؟
القراء في حياة الشيخ رحمه الله، كانوا ثلاثة أصناف.
من هم؟
شيوخه، من أمثال الشيخ القاضي والشيخ الضباع، رحمهم الله، وهؤلاء كان الشيخ يبرهم كما كان يبر أهله وذوي رحمه، وأقرانه، من أمثال الشيخ المنشاوي والشيخ عبد الباسط وغيرهم، فكانت علاقة الود والمحبة هي العلاقة السائدة بينهم، حتى إنهم حجوا معا في رحلة واحدة، وقد أكرمني الله تعالى بمرافقته في تلك الرحلة، والصنف الثالث القراء من تلاميذه، وهؤلاء كانوا دائما محل اهتمامه وتوجيهه، ولم يكن أبدا يرد لأي واحد منهم حاجة، بل كان بيته مجمعا للقراء صغارا وكبارا، في أي ساعة من ليل أو نهار.
كيف تشعرين بحجم حب المصريين والعالم العربي والإسلامي للشيخ الحصري حتى الآن رغم مرور 44 عاما على وفاته؟
الشيخ الحصري رجل قرآني، قضى حياته في خدمة القرآن الكريم، ولذلك فحب المسلمين له، وإجلالهم لقدره، دائم بدوام القرآن، وعظيم بقدر تعظيم المسلمين للقرآن، وما من بلد زرته إلا ورأيت فيه أبناء ومحبين للشيخ رحمه الله، وربما لم يلتقوا به، ولكن قلوبهم تعلقت بهذا الرجل الذي تعلق قلبه بالقرآن الكريم وخدمته.
كيف عملتم على حفظ تراث الشيخ الحصري وتعريفه للأجيال الجديدة؟
تراث الشيخ على ثلاثة أقسام تسجيلاته المسموعة، وهذه قد جمعناها كلها، وتعاقدنا مع إحدى المؤسسات المتخصصة لنشرها وإتاحتها لوجه الله تعالى لكل طالب وراغب، ومؤلفاته المكتوبة، وهي على نوعين: ما طبع في حياة الشيخ، وهو عشرة كتب، وقد أتحنا طباعته لبعض دور النشر المتخصصة، ودون مقابل أيضا، نشرا للعلم، وتيسيرا للقرآن وعلومه، وما لم يطبع في حياة الشيخ، وهو حوالي عشرة كتب أخرى، وهو في طريقه للإخراج والطباعة بإذن الله، والقسم الثالث: مكتبته ومقتنياته، وقد أهديناها إلى مكتبة الإسكندرية، لينتفع بها الباحثون وطلاب العلم.
هل هناك من أسلم على يد الشيخ الحصري خلال سفرياته الخارجية لسماعهم صوته؟
كثير من أسلم على يد الشيخ في سفراته المتعددة للدول الغربية، فقد فتح الله بتلاوته قلوب كثير من عباده للإسلام، ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر، ما حدث أثناء زيارته إلى الولايات المتحدة الأمريكية، حيث أسلم على يديه حوالي 18 شخصا، لقنهم الشهادتين بنفسه، وفي كتابه: (رحلاتي في الإسلام)، تفاصيل أكثر عن هذه المواقف.