إن إعلان وكالة "فيتش" للتصنيف الائتماني، وهى إحدى كبرى وكالات التصنيف الائتماني العالمية، عن تعديل نظرتها المستقبلية لتصنيف مصر طويل الأجل بالعملة الأجنبية من مُستقرة إلى إيجابية، خطوة مهمة لاستعادة ثقة المؤسسات الاقتصادية الدولية في الاقتصاد المصري وقدرته على التعافي والنمو وامتصاص الصدمات الاقتصادية رغم كم الصعوبات والتحديات الجسيمة التي تواجهها الدولة المصرية في ظل تداعيات الأزمات الاقتصادية العالمية المتتالية وحالة عدم اليقين في الأوضاع الاقتصادية الدولية.
يُعزى هذا التعديل في النظرة المستقبلية إلى تحسن قدرة مصر على مواجهة التحديات الخارجية، وذلك بفضل عدد من العوامل، على رأسها اتفاقيات تمويلية ضخمة لجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، خاصة صفقة مشروع رأس الحكمة بقيمة 35 مليار دولار لتنمية مدينة رأس الحكمة مع الإمارات العربية المتحدة، فضلاً عن التحول نحو نظام سعر صرف أكثر مرونة، ساعد على جذب تدفقات مالية أجنبية كبيرة، علاوة على أن هذه العوامل أدت إلى انخفاض مخاطر التمويل الخارجي لمصر بشكل ملحوظ.
بالتأكيد استعادة ثقة المؤسسات الاقتصادية الدولية في الاقتصاد المصري تعد خطوة مهمة عززتها جهود الدولة المصرية خاصة بعد اتفاق مصر مع صندوق النقد الدولي وصفقة تطوير منطقة رأس الحكمة والتي تعتبر أكبر وأهم الصفقات الاستثمارية، فوكالة فيتش عدلت نظرتها المستقبلية لمصر من مستقرة إلى إيجابية بسبب ما حدث من جذب الاستثمار الأجنبي المباشر، فضلا عن أن حجم الاستثمارات التي دخلت كبيرة وتحسن مناخ الاستثمار على مستوى التدفقات أو الإطار التنظيمي والتشريعي، وجهود الدولة لإزالة المعوقات.
إن الاقتصاد المصرى أصبح قادرا على تلبية الاحتياجات التمويلية المستقبلية وبأسعار أقل تكلفة عن الفترة السابقة، فالاتفاق مع صندوق النقد الدولي، بالإضافة للحزم الداعمة من مؤسسات التمويل وشركاء التنمية الدوليين وتدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر الأخيرة والمتوقعة خلال الفترة المقبلة سوف تُعزز من الاستقرار والتقدم الاقتصادي المصري، حيث تُسهم فى تخفيف حدة الضغوط التمويلية على المدى القصير والمتوسط، مما سيساهم في ارتفاع تصنيف مصر من قبل المؤسسات الاقتصادية الدولية وتعزيز قدرة الاقتصاد المصري على النمو.
ومن المتوقع تدفق الاستثمارات لمصر خلال الفترات القادمة بعد توحيد سعر الصرف والقضاء على السوق الموازي وضبط سوق النقد الأجنبي، واستقرار الأوضاع الاقتصادية بشكل كبير وتحسن التقييمات للاقتصاد المصري، وكل هذه الجهود ساعدت الدولة على أن تخفف من حدة الفجوة الدولارية، واستطاعت السياسة النقدية أن تلعب دورها فى تحرير سعر الصرف أو تحديده طبقا لآليات السوق ورفع سعر الفائدة مما غير النظرة المستقبلية لمصر مرة أخرى.
كل هذه الإجراءات دفعت لعودة تحويلات المصريين العاملين بالخارج، والقضاء على السوق السوداء، وزيادة ضخ الاستثمارات الأجنبية، ورأينا عدة اتفاقيات للاستثمار الأجنبى المباشر فى مجالات متعددة أهمها الهيدروجين الأخضر، وأعتقد أن الفترة المقبلة ستشهد تصنيفات إيجابية متتابعة من مؤسسات التصنيف الدولية.
وفي ضوء تعديل وكالة فيتش للتصنيف الائتماني لمصر وتغيير النظرة المستقبلية من مستقرة إلى إيجابية، يجب على الحكومة المضي قدماً في الإصلاحات المالية والاستمرار في خفض الدين العام من خلال التحكم في الإنفاق وتحسين كفاءة تحصيل الضرائب وتعزيز الإنتاج المحلي ودعم القطاعات الإنتاجية خاصة الصناعة والزراعة، وتعميق التصنيع المحلي لتنمية الصادرات والحد من الاستيراد، وتقليل الاعتماد على الاقتراض الخارجي، وتعزيز استدامة المالية العامة، ومعالجة ارتفاع معدلات التضخم، وتحسين كفاءة سلاسل التوريد.
أيضاً هناك ضرورة للاستمرار في تنفيذ إصلاحات هيكلية لتعزيز بيئة الأعمال وجذب الاستثمار الأجنبي، فضلاً عن الاستثمار في التعليم والتدريب المهني لتعزيز رأس المال البشري، وكذلك الاستفادة من النظرة المستقبلية الإيجابية لجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية، وتوسيع الأعمال وزيادة الإنتاجية، وتعزيز التعاون بين القطاعين العام والخاص والعمل معاً لتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية وتحقيق النمو المستدام.
بشكل عام، يُعد تعديل وكالة فيتش للتصنيف الائتماني لمصر تطورًا إيجابيًا يُشير إلى تحسن في قدرة البلاد على مواجهة التحديات الخارجية، والأمر يستوجب من الحكومة استمرار العمل لتحسين التصنيف الائتماني لمصر للأفضل خلال المراجعات المقبلة قبل نهاية عام 2024، ويعزز ذلك أن الدولة المصرية تنفذ إصلاحات مالية تهدف إلى خفض الدين العام وتحسين استدامة المالية العامة، والاستمرار في تعزيز خطوات الإصلاح الاقتصادي وتشجيع الاستثمار وتوطين الصناعة، وهو من شأنه أن يدفع عجلة النمو الاقتصادي.