تعانى أمريكا اللاتينية من العديد من التغيرات المناخية التى أصبحت تتهددها بشكل مباشر، والتى كانت آخر مظاهرها، فيضانات البرازيل، حيث حلق الرئيس البرازيلى لولا دا سيلفا، فوق ولاية ريو جراندى دو سول بجنوب البرازيل، لمشاهدة الآثار التى خلفتها الفيضانات المدمرة فى المنطقة والتى سببتها الأمطار الغزيرة، حيث أثرت على أكثر من 500 بلدية، وتسببت فى نزوح المئات من السكان فضلا عن حالات الوفاة والمصابين والمفقودين والأضرار التى لحقت بالطرق.
وقالت وكالة برازيليا إنه ارتفع عدد ضحايا الفيضانات إلى 79 شخصا، وتحاول السلطات والسكان تجنب مأساة أكبر من تلك التى شهدتها ولاية ريو جراندى دول سول، كما فقد أكثر من 100 وتم إجلاء 115 ألف شخص، بسبب تلك الفيضانات.
وأشارت الصحيفة إلى أنه الشوارع غمرتها المياه أو من الجو، تبدو الصور مدمرة، منازل بالكاد يمكن رؤية أسطحها، وأشخاص فقدوا كل شيء، وغمرت المياه بالكامل وسط مدينة بورتو أليجرى الحديثة، العاصمة التى يبلغ عدد سكانها 1.4 مليون نسمة، وكانت الأمطار أمس متقطعة فى بورتو أليجرى، لكن المياه تدفقت بشكل لا يمكن السيطرة عليه فوق المدينة.
ووفقا لمكتب عمدة المدينة، بلغ منسوب نهر جوايبا الواقع فى المدينة 5.30 متر، وهو أعلى من الرقم القياسى البالغ 4.76 متر المسجل فى الفيضانات التاريخية عام 1941.
وأكد الصحفيون زيادة فى عدد المناطق التى غمرتها الفيضانات، وفى حى ساراندى الشعبى، غطت المياه بالكامل ساحة انتظار الشاحنات وآلات الطرق، وباتت أسطح المركبات بالكاد مرئية، والدمار لا يحصى، بحسب الدفاع المدنى. ووصف المحافظ إدواردو ليتى، الذى استقبل بالأمس الرئيس لولا دا سيلفا للمرة الثانية منذ إعلان المأساة، الوضع بأنه، مأساوى وغير مسبوق على الإطلاق.
وقال الحاكم لايت أن الولاية ستحتاج إلى نوع من خطة مارشال لإعادة البناء. لكن ذلك سيكون بعد أن تهدأ المياه، والآن، ينصب القلق على إمدادات الغذاء واستمرارية السلسلة الإنتاجية فى هذه الولاية الزراعية، التى تمثل خامس ناتج محلى إجمالى فى البرازيل وواحدة من أكثر الولايات ازدهارًا فى البلاد.
موجات الحر المتكررة
فى السنوات العشر الماضية، أدت موجات الحر المتكررة والمكثفة إلى تعريض صحة وبقاء الأطفال الذين تقل أعمارهم عن سنة واحدة والبالغين الذين تزيد أعمارهم عن 65 عامًا للخطر بشكل متزايد، ووفقا لتقرير، لانسيت العد التنازلى لأمريكا اللاتينية، الذى يتتبع الروابط بين الصحة العامة وتغير المناخ فى أمريكا الجنوبية بفضل التعاون بين 21 مؤسسة أكاديمية ووكالات الأمم المتحدة مع باحثين من مختلف التخصصات، منذ عام 2000، فإن العدد المقدر المرتبط بالحرارة وتتزايد الوفيات باستمرار بين الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 65 عامًا فى جميع البلدان تقريبًا، وتعد البرازيل والأرجنتين وكولومبيا وفنزويلا هى الأكثر تضرراً.
سجلت أمريكا اللاتينية زيادة بنسبة 140% فى الوفيات الناجمة عن ارتفاع درجات الحرارة، ووفقا لتقرير لانسيت، كانت الإكوادور والسلفادور وجواتيمالا وهندوراس هى البلدان التى زادت فيها الوفيات بشكل أكبر بسبب ارتفاع درجات الحرارة، خبراء يحذرون من تأثيرات الحرارة على حمى الضنك والتلوث.
وأشار التقرير إلى أن التغير المناخى فى أمريكا اللاتينية يؤثر على الوضع الصحى للسكان حيث يؤدى إلى سرعة انتشار الأمراض.
وتعتبر أجندة المناخ من أبرز التحديات التى تمر على انتخابات دول القارة العام الجارى، حيث أصبحت قضية مكافحة تغير المناخ العنصر المحرك للإبرة الانتخابية والاقتصادية.
وقالت ياسنا بالميرا، من الجامعة البابوية الكاثوليكية فى تشيلى والمؤلفة المشاركة للتقرير، يفسر ذلك أن البرازيل والأرجنتين دولتان تتقدمان فى السن، لذلك لدينا عدد أكبر من كبار السن المعرضين للحرارة الشديدة.
فى كولومبيا وفنزويلا، لوحظ أيضًا أن درجة الحرارة كانت أعلى بكثير، لذلك لدينا مجموعة من العوامل المناخية والعوامل الديموغرافية التى تؤدى فى النهاية إلى زيادة فى الوفيات المرتبطة بالحرارة، خاصة بين أولئك الذين تزيد أعمارهم عن 65 عامًا. ويضيف مذكراً بأن موجات الحرارة هذه أصبحت أكثر تواتراً وأكثر شدة وأطول، الأمر الذى يؤدى فى مجمله إلى زيادة الوفيات المرتبطة بالحرارة.
ولكن ليس فقط موجات الحرارة هذه يمكن أن تسبب الموت، ويتعرض سكان المنطقة أيضًا لتهديدات مميتة بسبب تزايد الأمراض المعدية مثل حمى الضنك، كما حدث فى الأشهر الأخيرة فى البرازيل، مع تسجيلات تاريخية للإصابات، أن الملاءمة المناخية لانتقال حمى الضنك آخذة فى الازدياد.
تتزايد حالات بحمى الضنك فى أمريكا اللاتينية بشكل كبير، بسبب التغير المناخى من ارتفاع درجات الحرارة وظاهرة النينو التى سببت العديد من المشاكل المناخية، مما أثارت حالة من الذعر والقلق لدى السكان، وتجاوز عدد الحالات هذا الأسبوع 5.2 مليون حالة، وهو أعلى من الرقم القياسى السنوى المسجل وفقا لمنظمة الصحة للبلدان الأمريكية PAHO.
تعميم والتكيف مع تغير المناخ
ولهذا السبب، تؤكد ستيلا هارتينجر، مديرة مجلة لانسيت للعد التنازلى لأمريكا اللاتينية، أنه لمكافحة تغير المناخ، يجب أن تكون الصحة محورًا عرضيًا لجميع السياسات، ويشير إلى أنه إذا لم تتمتع وزارات الإسكان المسؤولة عن الصرف الصحى ومياه الشرب بتغطية أكبر داخل المدينة، فإن انتشار حمى الضنك سيستمر ولن يهم مقدار عمليات التطهير فى المدن.
وبهذا المعنى، يحث التقرير البلدان على تحديد المخاطر الصحية المرتبطة بتغير المناخ ووضع خطط التكيف المناسبة، فى حالة موجات الحر، يمكن أن تكون التدابير المتخذة مفيدة: من ناحية، التثقيف حول العواقب والتدابير التى يمكن للناس اتخاذها، ومن ناحية أخرى، من خلال إنشاء أنظمة أمان لتوقع حدوثها، السماح باتخاذ التدابير، يقول أوسكار ميلو، الأكاديمى فى مركز التغيير العالمى التابع للجامعة البابوية الكاثوليكية فى تشيلى، وبالإضافة إلى التدريب على رعاية الأشخاص المتأثرين بالحرارة فى المراكز الصحية، يسلط الخبير الضوء أيضًا على إجراءات أخرى يتم تنفيذها، مثل وضع لوائح فى أماكن العمل تمنع التعرض لدرجات الحرارة المرتفعة. ويشير الخبير التشيلى إلى أن الإجراءات الأخرى تهدف إلى تعزيز تطوير الملاجئ المناخية فى الأماكن العامة والخاصة.