شهدت الفترة الأخيرة الكثير من الضجيج والصياح الذى أثاره بعض الدعاة، الذين اعتادوا الظهور فى وسائل الإعلام المختلفة وعلى مواقع التواصل الاجتماعى، والأمر المؤسف أنهم قدموا صورة سلبية عن الدعاة الذين ينتمون إلى الدين الإسلامى وإلى الأزهر الشريف، الذى من المفترض أنهم ينتمون إليه، حسب ما يقدمون أنفسهم، لكنهم مع الأسف يتسمون بالعصبية والتعالى باسم العلم، وإطلاق أحكام حاسمة وقاطعة لأمور وجب فيها الاجتهاد، ناهيك عن توزيع الثواب والعقاب والتبشير بالجنة أو الحكم بالنار، كما لو كانوا يملكون مصائر البشر، ومع الأسف فإن بعض البسطاء يعتقدون أن كل من يظهر من خلال وسائل الإعلام فهو على علم، وما يقوله هو صحيح الدين.
ثم تطور الأمر ليهاجم بعضهم البعض، حتى إن أحدهم طالب الأستاذة الدكتورة سعاد صالح بأن تجلس فى بيتها وتصمت، لأن المجتمع ليس فى حاجة إلى كوارث جديدة، وأن سقطاتها أصبحت كثيرة، وسواء أصابت الدكتورة سعاد أو أخطأت فليس من حق أى أحد أن يطالبها بالصمت، خاصة إذا كانت سقطاته هو نفسه لا تعد ولا تحصى، ومنذ أن أطل علينا عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعى وسقطاته أكثر بكثير مما يتهم به الدكتورة سعاد.
منذ عدة أشهر، خرج علينا هذا الداعية تحديدا عبر إحدى القنوات الفضائية، وطالب الجمهور بألا يتركوا أطفالهم يلعبون بعد غروب الشمس حتى لا يصابوا بمس من الجن والعفاريت، وأخذ يكيل المخاوف والكوارث التى يمكن أن تعود على البيت وأصحابه إذا لم يستجيبوا، وقد كتبت عما قاله فى حينه متعجبة من الخرافات التى يروج لها، وأن هذا يحدث فقط فى بلاد المسلمين، ولماذا لا تبطش الجن والعفاريت بالأطفال فى بلاد الغرب، وأخذ يزيد فى ضلالاته كثيرا باسم الإسلام.
هذا الشيخ وغيره يتجرأون على الدين وعلى بسطاء الناس باسم الدين، وها هم يفعلون ذلك مع العلماء، حتى العلماء أصبحوا يتجرأون على بعضهم البعض، بينما أول وأبسط سمات العلماء هو التواضع ومراجعة النفس، ونقل المعلومة على استحياء، لأنه ببساطة يمكن أن يصيب أو يخطئ، وأى خطأ فى مثل هذه الأمور، خاصة إذا كان متعمدا، فهو يعنى تضليل الناس، وهو ما يعنى الكذب عليهم وعلى الله الذى توعد من كذب على الله ووصفه بالظلم: «فمن أظلم ممن كذب على الله».
كل هذا لا يعنى ألا يجتهد العلماء، بل والناس أيضا عليهم أن يفكروا ويتفكروا ويجتهدوا ويعملوا بعقولهم، وهذا ما أطلق عليه بعض المفكرين عبارة «الفريضة الغائبة»، فريضة إعمال العقل التى أمرنا بها الله سبحانه وتعالى فى آيات كثيرة، لكننا آثرنا الراحة، واعتمدنا على ما يردده العلماء وغير العلماء، الذين منهم من يستحق هذه الصفة عن جدارة واحترام بعد أن اجتهدوا ونهلوا من العلم، واتقوا الله فى كل كلمة يرددونها، ومنهم من اتخذها مطية لتخويف وإرهاب خلق الله الذى ابتلوا بالجهل أو عدم القدرة على المعرفة أو حتى حيرهم الاختلاف بين الآراء ولم يقدروا على اتباع الصالح أو حسم قناعاتهم.
الصورة المؤسفة التى ظهر بها بعض هؤلاء الذين يطلقون على أنفسهم أنهم دعاة، أصبحت أمرا لا يمكن السكوت عليه، لأنهم لا يسيئون لأنفسهم فقط، لكنهم يسيئون للإسلام والمسلمين ولمؤسسة عريقة مثل الأزهر الشريف الذى يتمسحون به، وبدلا من أن يكونوا قدوة لمن يأخذ بآرائهم، أصبحوا يشكلون خطرا بفجاجة أسلوبهم وحدتهم وعصبيتهم وتعصبهم، والحقيقة أن مجتمعنا يحمل ما يكفى من المتاعب و لا تنقصه سقطات هؤلاء الدعاة.