رحل الدكتور طه حسين منذ أكثر من خمسين عامًا، ومع ذلك لا يزال اسمه يتردد في كل محفل علمي وثقافي، وليس لذلك سوى سبب واحد هو "الأثر".
نعم، المتأمل في تجربة طه حسين سيتأكد أن التاريخ لا يحتفظ سوى بأصحاب الأثر، فعلى مر الأزمان ظهر العديد من الأشخاص الذين ملأوا الدنيا في وقتهم، وشغلوا الناس في زمانهم، وكانوا حديث المجالس في حياتهم، لكن مع الزمن بهتت أسماؤهم ثم تلاشت، لأنهم لم يتركوا أثرًا حقيقيًّا على أرض الواقع.
والأثر لا علاقة له بالصوت المرتفع، أو بعدد المنتجات والإصدارات والمعارك، لكنه مرتبط بالقدرة على التغيير، حتى لو في عدد محدود من الناس، وطه حسين كان له نصيب كبير من ذلك، بداية من شخصه وانتهاء بأدواره التي قام بها، وتبنيه لقضايا معينة تماست بشكل أو بآخر مع الناس في الشارع.
وليس شرطًا لمن يترك الأثر أن يكون ثورجيًا يهتف بين الناس، أو يسعى للتغيير بالشدة والقوة، فقد يكون طبيبًا مثل مجدي يعقوب، وقد يكون عاملًا في مصنع لكنه يحرص على حقوق الناس، وقد يكون مزارعًا لم يهجر أرضه ويتركها للبوار، وقد كان طه حسين كذلك، ظل حتى آخر أيامه يؤمن بأن الثقافة والوعي هما القادران على صناعة الفارق في الحياة، وأن هوية المجتمع الواضحة نصف النجاح، كان يسعى كي نعرف أنفسنا وعلى أساس ذلك نكمل العمل.
وصناع الأثر يحيط بهم الإيمان، ويعدونه حجر أساس في كل ما يفعلونه ويقومون به، ولا ينشغلون بهامش القضية، ويعرفون أن ذلك دورهم وقدرهم، ولا يعتمدون على مفهوم "فرض الكفاية" ويتمنون أن يقوم غيرهم بالأمر بدلا منهم، لا، هم يومنون "بالفرض" الذي لا يجوز أن يسقطوه، بل يؤمنون بأن أداء هذا الأمر واجب، وقد كان طه حسين ممن يؤمنون بأن عليهم دورا تجاه مجتمعهم، وأن تأديته واجب، ومن هنا نفهم شخصيته وإيمانه بكل ما تحدث عنه وأشار إليه وتبناه من قضايا وأفكار وما خاضه من معارك.
لذا عاش طه حسين، وسيعيش كثيرًا، بسبب ما قدمه وما قام وبه، وستظل أفكاره قابلة للنقاش على مدى الأزمنة، وسيظل الناس يتحدثون عن أثره، ويتمنون أن يفعلوا فعله.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة