دخلت الحرب فى غزة شهرها الثامن، لتعد أطول حرب شنتها إسرائيل على مدى عقود، وتحمل كل عناصر إشعال حرب إقليمية، فى حال استمرت بهذه الوتيرة، ويراهن بنيامين نتنياهو رئيس وزراء الاحتلال رهانه الأخير بعملية عسكرية فى رفح الفلسطينية، بذريعة هجمات حماس على معبر كرم أبو سالم، ورغم أن حماس ردت بقبول المبادرة المصرية لوقف إطلاق النار بالإيجاب، تمهيدا لعملية تبادل الأسرى والمحتجزين، واصل نتنياهو عملياته العسكرية فى رفح من خلال عمليات قصف وتوغل بالمدرعات، فى خطوة تهدد السلام الإقليمى وتحمل بدايات مخطط تهجير بدا أنه تراجع منذ أكتوبر، لكنه يبقى ويراوح مكانه، فى مواجهة رفض مصرى وعربى واضح وتحذيرات وخطوط حمراء وضعتها مصر متمسكة بصبر استراتيجى، حفاظا على قنوات اتصال تجعل القاهرة صاحبة مفاتيح الحل، والمواجهة، وهو ما يجعل مصر تخوض حروبا متعددة.
فى المقابل فإن الحرب وقد دخلت شهرها الثامن من دون قدرة على تقييم الرابح والخاسر، ومن حقق مكاسب سياسية أو عسكرية، لكن المؤكد أن غزة والشعب الفلسطينى تعرضا لأكبر عملية حصار وقصف واستشهد أكثر من 35 ألفا أغلبهم من الأطفال والنساء، وصارت الحياة فى غزة مستحيلة بعد حجم الدمار غير المسبوق، والذى أعاد غزة إلى العصور الوسطى.
ويصر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، على استمرار التوغل لحين تحقيق النصر، بينما حماس تعلن تحقيق مكاسب واختراقات ضد جيش الاحتلال بالرغم من فرق التسلح والإمكانات، وفى نفس الوقت هناك مطالب بالعودة إلى خطوط 7 أكتوبر، بجانب حجم الدمار فى غزة والشهداء والجرحى والضغط لتهجير السكان وهو أمر خطر، وكل هذا يشير إلى غياب أى مقاييس للمكاسب.
الأمر أقرب لسباق ومقامرة ليس فيه ربح أو خسارة، ربما يكون المكسب الوحيد الظاهر هو أن القضية الفلسطينية عادت إلى الواجهة والاهتمام فى المجتمع الدولى خاصة فى الدول الغربية، وهى عودة ثمنها كبير، خاصة مع تعمد نتنياهو تنفيذ عملية إبادة وتصفية عرقية وإصرار على تنفيذ مخطط التهجير والتصفية، خاصة مع بدء عمليات نوعية وتوغل فى رفح الفلسطينية، وهو أمر يهدد بتصعيد إقليمى وخطر وصدامات، فى حال مثلت بعض الخطوات خرقا لاتفاقيات السلام مع مصر.
وقد نجحت مصر على مدى أسابيع فى عرقلة مخطط اجتياح رفح الفلسطينية، لكن قصف معبر كرم أبو سالم بالرغم من عدم تسببه فى خسائر كبيرة لإسرائيل اتخذه نتنياهو ذريعة لاقتحام رفح وتنفيذ عمليات فيها، منذ أمس الأول الاثنين، ورغم أن حماس أعلنت موافقتها على المبادرة المصرية، فإن نتنياهو يحاول اكتساب المزيد من الأرض للضغط من أجل التفاوض، والدولة المصرية وضعت ولا تزال خطوطا حمراء ضد التهجير والتصفية، وواجهت ولا تزال حملات ابتزاز ومزايدات من قبل الاحتلال الإسرائيلى وأيضا بعض الأطراف المحسوبة زورا على الفلسطينيين، وتفتقد إلى الفهم أو تتربح من استمرار الحرب، وتعمل لأطراف سعت لإنهاء فرصة السلام وتغذى الحرب.
تصعيد قوات الاحتلال الإسرائيلية فى رفح الفلسطينية يهدد أى مسار لمفاوضات التهدئة، التى وجدت استجابات من حماس، حتى لو تأخر الرد، خاصة أن التقدم يتم بالنقاط، وهو أمر تدركه وتعرفه مصر، ولهذا حرص الرئيس عبدالفتاح السيسى الذى دعا كل الأطراف لبذل المزيد من الجهد للوصول إلى اتفاق يؤدى إلى إنهاء المأساة وإتمام تبادل الرهائن والسجناء، وكانت حالة من الفرحة والسعادة سادت فى صفوف الفلسطينيين بقطاع غزة ومدينة رفح جنوبى القطاع، بعد أن أبلغت حركة حماس مصر وقطر بموافقتها على مقترح وقف إطلاق النار فى القطاع مع الجانب الإسرائيلى، وهو ما يعكس رغبة الفلسطينيين فى انتهاء الحرب وصولا إلى هدنة ونهاية لحرب طالت أكثر من أى توقع.
وبالفعل حذرت مصر من مخاطر عملية عسكرية إسرائيلية محتملة بمنطقة رفح الفلسطينية جنوب قطاع غزة، لما ينطوى عليه هذا العمل التصعيدى من مخاطر إنسانية بالغة تهدد أكثر من مليون فلسطينى فى تلك المنطقة، وواصلت مصر اتصالاتها مع كل الأطراف من أجل الحيلولة دون تفاقم الوضع أو خروجه عن السيطرة، وهو أمر حدث مرات على مدى الشهور الماضية، ونجحت الأطراف المختلفة فى منعه، لكن اجتياح رفح بعملية كبيرة واجه وما زال تحذيرات فرنسية وأوروبية وحتى أمريكية، من قبل الرئيس جو بايدين، لكن نتنياهو ما زال يصر على السير فى مخطط ليس له أفق، وهو ما تدركه مصر وهى تتعامل مع الأطراف الأكثر تطرفا داخل معسكرات الصراع.