باحث مغربي يكشف علاقة الموسيقى بالرياضيات.. عزيز إفراران: البحث الرياضي في الموسيقى العربية انقطع وأصبح منحصرا في تحقيق كتب القدامى.. وفيثاغورس أثبت وجود علاقة وطيدة بين الأنغام الموسيقية والتناسبات الرياضية

الخميس، 09 مايو 2024 04:30 م
باحث مغربي يكشف علاقة الموسيقى بالرياضيات.. عزيز إفراران: البحث الرياضي في الموسيقى العربية انقطع وأصبح منحصرا في تحقيق كتب القدامى.. وفيثاغورس أثبت وجود علاقة وطيدة بين الأنغام الموسيقية والتناسبات الرياضية الدكتور والأكاديمي المغربى عزيز إفراران
حاوره من الشارقة أحمد منصور

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

- الموسيقى تساعد على تطوير مهارات الحساب وفك الرموز وتنشيط الذاكرة والتواصل والثقة في النفس

كاتب وباحث أكاديمي فى علم الرياضيات استطاع من خلال دراسته وأبحاثه أن يثبت أن هناك علاقة وطيدة بين الموسيقى والرياضيات، هو الدكتور والأكاديمي المغربى عزيز إفراران، وخلال مشاركته في فعاليات مهرجان الشارقة القرائى للكتاب بدروته 15، أجرينا معه حوارًا حول أبحاثه ومدى علاقة الموسيقى وأهميته داخل المجتمعات والرياضات والعمليات الحسابية..  وإلى نص الحوار

ــ أولا نريد أن نعرف ونفصل هل تعد الموسيقى علم أو فن؟


الموسيقى هي بالتأكيد فن، فالموسيقى جميلة والفن لغة الجمال، وعادة ما يتم تعريف الموسيقى على أنها فن الجمع بين الأصوات، وبما أن الصوت ظاهرة فيزيائية، فإن الأصوات الموسيقية تخضع لقوانين علم دراسة الأصوات، أكثر من هذا، الدراسة العميقة للنظرية الموسيقية تثبت أن مفاهيمها الأساسية من إيقاعات وسلالم موسيقية ومقامات وتوافقات نغمية لها علاقة وطيدة بالحسابات الرياضية والقياسات الفيزيائية، ومن هذا المنظور، يمكن اعتبار النظرية الموسيقية علمًا قائما بذاته، لا غرابة إذن أن نجد المئات من الكتب والأبحاث العلمية التي تنشر كل سنة حول علاقة الموسيقى بالرياضيات والفيزياء والمعلوميات وغيرها من المجالات العلمية.

ــ ما هي علاقة الموسيقى بالرياضيات؟


في الواقع، العلاقة وطيدة جدًا لدرجة أن البعض يرى أن الموسيقى هي أقرب الفنون إلى الرياضيات. من أول وهلة، قد يبدو أن الموسيقى والرياضيات لغتان مختلفتان، فالموسيقى لغة المشاعر التي تخاطب القلب، والرياضيات لغة المنطق والحساب وبالتالي فهي تخاطب العقل، وفي القرن السادس قبل الميلاد، أثبت فيثاغورس وجود علاقة وطيدة بين الأنغام الموسيقية والتناسبات الرياضية، إذا أخذتَ وترا وعزفتَ على نصفه، ستحصل على مسافة الأكتاف، وإذا عزفت ثلثى الوتر، ستحصل على المسافة الخامسة، أما إذا عزفت ثلاث أرباعه، فستحصل على المسافة الرابعة، وهذه المسافات الموسيقية تعتبر أهم المسافات في الموسيقى الغربية، وبناء السلالم الموسيقية كان يعتمد على حسابات رياضية دقيقة، هذا ما قام به "فيثاغورس" و"زارلينو" و"الفارابي" و"الأرموي" في بناء سلالمهم الموسيقية، وإذا انتقلنا من الجانب اللحني إلى الجانب الإيقاعي، يمكن تمثيل الإيقاع في شكل هندسي من خلال ربط نبضاته الموزعة داخل رسم دائري، والكثير من الإيقاعات الشائعة حول العالم تعتبر إيقاعات إقليدية نسبة لخواريزمية القاسم المشترك الأكبر التي وضعها إقليدس، بعد فيثاغورس و إقليدس، ظهر مصطلح Quadrivium الذي يشير إلى العلوم الرياضية الأربعة والتي هي الحساب، الهندسة، الفلك والموسيقى. في أوروبا، ظلت النظرية الموسيقية لقرون تُعتبر جزءا من الرياضيات.

ــ كونك أكاديمى ومتخصص .. هل توجد تشابهات الموسيقى بالرياضيات؟


يمكن رصد ثلاث تشابهات على الأقل، التشابه الأول يتعلق بالحساب، قراءة النوتة الموسيقية هي عملية حساب مستمرة،  أيضا بناء السلالم الموسيقية والمقامات يستند على حسابات رياضية دقيقة، وكذلك الأمر بالنسبة لدوزنة بعض الآلات الموسيقية كالبيانو والقيثارة، عالم الرياضيات ليبنتز حيث عبر عن هذه الفكرة قائلا : الموسيقى هي تمرين خفي في الحساب،  العقل لا يدرك أنه يحسب"، أما التشابه الثاني يتعلق بالتجريد، نعلم أن الرياضيات هي أكثر العلوم تجريدا، فمواضيعها لا تتعلق بأشياء ملموسة كما هو الشأن مع الفيزياء أو الكيمياء أو البيولوجيا، كذلك هو الحال مع الموسيقى، فهي لغة مجردة إلى حد كبير، والأصوات الموسيقية من دون كلمات يصعب في أغلب الأحيان تحديد ما تعنيه بدقة، وعموما يظل تأويل رسائلها وإشاراتها يختلف من شخص لآخر، والتشابه الثالث هو العالمية، الرياضيات لغة عالمية وكذلك هي الموسيقى، تذوق الموسيقى لا يحتاج إلى كلمات، فالمغربي يستمتع بالفلامنكو الإسباني، والإسباني يمكنه أن يستمتع بالطانجو الأرجنتيني، والأرجنتيني باستطاعته أن يستمتع بالطرب الشرقي، وهذا ما يجعل من الموسيقى وسيلة فريدة من نوعها للتواصل بين الشعوب.

ــ حديثنا عن علاقة الرياضيات بالموسيقى الشرقية والعربية بشكل خاص؟


الحسابات حاضرة بقوة في نظرية الموسيقى العربية، والكتب العديدة التي تناولت هذا الموضوع مليئة بالأرقام، يمكن أن نذكر على سبيل المثال أعمال الكِندي، الفارابي، ابن سينا والأرموي، وفي الموسيقى الغربية، تصدر عشرات بل مئات الدراسات الرياضية سنويا، والمؤسف هو أن البحث الرياضي في الموسيقى العربية انقطع تقريبا في زماننا وصار شبه منحصر في تحقيق كتب الأقدمين وتحليل تراثهم، فالموسيقى العربية غنية بأنغامها الأربع والعشرين، هذه النغمات تعطي مجالا أوسع من الموسيقى الغربية التي تضم فقط 12 نغمة، هذا ما دفعني لإجراء أبحاث رياضية في الموسيقى العربية، إنه حقل خصب يستحق تظافر جهود يشترك فيها الرياضيون والموسيقيون.

ــ هل تساعد الرياضيات في فهم الموسيقى؟


أذكر أني حينما كنت أدرس الموسيقى بالمعهد الوطني للموسيقى والرقص بالرباط، كانت تخطر ببالي الكثير من الأسئلة، منها لماذا توجد سبع أنغام في الموسيقى العالمية؟ لماذا ليست ستة أو ثمانية ؟ كيف يتم ضبط مفاتيح البيانو وتحديد تردد كل نغمة؟ بعد سنوات، ومن خلال اطلاعي على كتب تتحدث عن الموسيقى بلغة رياضية، بدأت أفهم بعض الأمور، وصارت الكثير من الأفكار بخصوص الموسيقى تتضح في ضوء الرياضيات.

ــ بما أننا فى حضرة مهرجان الشارقة القرائى للطفل هل الموسيقى  تساعد الأطفال في تكوينهم الدراسي؟


توجد العديد من الأبحاث العلمية التي تبين دور الموسيقى في التكوين الدراسي للطفل وخصوصا في مادة الرياضيات، الموسيقى تساعد على تطوير مهارات الحساب، التجريد وفك الرموز، التركيز، تنشيط الذاكرة، التواصل، اكتساب روح الفريق والثقة في النفس.
ــ كيف تساهم ممارسة الموسيقى في فك الرموز الرياضية، وتسهيلها على طلاب المدارس؟
الحسابات الكسرية من أهم الأمثلة في هذا المجال، أشكال العلامات الموسيقية تحدد الأزمنة، فالبيضاء هي نصف المستديرة، والسوداء هي نصف البيضاء، وذات السن هي نصف السوداء، "وهلم جرا"، كما أن قراءة النوتة الموسيقية هي عملية حساب مستمر، وقد أثبتت بعض الدراسات تأثير تمكن التلاميذ من مهارة قراءة النوتة على مدى استيعابهم للحسابات الكسرية، هذا مثال من بين أمثلة أخرى.

ــ ما هي مجالات البحث العلمي التي تعمل عليها والتي تخص الموسيقى؟


أعمل حاليًا على موضوع الرياضيات وعلاقتها بالموسيقى العربية بشكل خاص، لي بحث تحت النشر وسيصدر قريبًا ضمن منشورات المؤتمر الدولي التاسع للرياضيات والحساب في الموسيقى، والذي سيقام هذه السنة بالبرتغال، البحث يقدم سلما موسيقيًا جديدًا مبنيًا على ظاهرة فيزيائية تعرف بالتوافقات، السلم تم تطبيقه على أهم المقامات العربية التي تضم ربع البعد، مثل الراست والبياتي والصبا والهزام، وأبحاث أخرى طور الإنجاز تتعلق بإمكانية استكشاف مقامات موسيقية جديدة على أسس رياضية، وفي نفس الوقت مستساغة من الجانب السمعي.

ــ هل لك أن تذكر لنا بعضًا من أبرز العلماء الذين اهتموا بالموسيقى؟


كثير جدًا.. الفيزيائي إينشتاين مثلا كان عازفًا ممتازًا على آلتي الكمان والبيانو، وقد قال ذات مرة "لو لم أكن فيزيائيًا لأردت أن أكون موسيقيًا" إذا اقتصرنا على علماء الرياضيات الذين اهتموا بدراسة النظرية الموسيقية، يمكن أن نذكر على سبيل المثال فيثاغورس، ديكارت، ليونارد أولر، هلمهولتز وغيرهم الكثير في الحضارة العربية، سنجد الكندي والفارابي وابن سينا وعمر الخيام وصفي الدين الأرموي وميخائيل مشاقة وغيرهم، والمتصفح لمؤلفاتهم الموسيقية سيجدها مليئة بالحسابات والأشكال الهندسية، في عصرنا، تصدر مئات الأبحاث كل سنة في موضوع العلاقة بين الرياضيات والموسيقى، بل إن هناك مجلات علمية ومؤتمرات دولية مختصة في هذا الموضوع.

ــ هل حقيقة أن الموسيقى تبنى على الحسابات الرياضية أم الإحساس؟


هذا السؤال هو موضع جدل وخلاف قديم، في القرن السادس قبل الميلاد، بنى فيثاغورس سلمه الشهير على أساس حسابات رياضية، لكن أحد تلاميذ أرسطو وهو الفيلسوف والموسيقي "أريستوكزينوس" كان معارضًا لهذا التوجه، فالموسيقى في نظره ينبغي أن تبنى على الإحساس وليس على الحسابات الرياضية، وأعتقد أن كل طرف لديه بعض من الصواب، فتجربة فيثاغورس الشهيرة على الأوتار تثبت وجود علاقة وطيدة بين أهم الأنغام في الموسيقى الغربية والتناسبات الرياضية البسيطة،  والفيزيائي هيلمهولتز قدم أسسا فيزيائية من وراء إدراكنا البشري لمفاهيم التوافق والتنافر في الموسيقى، ويبدو كما لو أن الإحساس الموسيقي ليس مستقلا تماما عن الحسابات الرياضية، بل إن السلم الموسيقي الأكثر استخداما في زماننا والمعروف بالسلم المعدل مبني على حساب رياضي لمتتالية هندسية أساسها الجذر الاثناعشري للعدد اثنين، وهذا السلم حل العديد من المشاكل لدى الموسيقيين وفتح المجال لكل الانتقالات المقامية من خلال التقسيم المتساوي للمسافات بين الأنغام، من جهة أخرى، لا بد من التأكيد على أن الموسيقى فن يقوم على الإحساس بالجمال، وبالتالي فدور الرياضيات ينبغي أن يكون في خدمة هذه المهمة، وكل البدائل والحلول التي تقدمها الرياضيات من المفروض أن يتم اختبارها في النهاية من الجانب الحسي والفني.

ــ كيف اكتشفت فيك حب الموسيقى وأنت أستاذ رياضيات تتعامل مع الهندسة والأرقام بالدرجة الأولى؟


أتصور أنه من المفروض أن تحظى الموسيقى بحب جميع الناس، على الأقل على مستوى الاستماع والتذوق، عشقي للموسيقى يعود إلى الطفولة، والرياضيات هي المجال الذي أقوم بتدريسه في الجامعة، قبل أزيد من 20 سنة، اطلعت على كتاب حول الموسيقى من منظور رياضي، وكان أمرًا مذهلاً، عشقي لهذين المجالين دفعني للبحث أكثر في هذا الموضوع، وقد قمت بعدها بإنجاز سلسلة حلقات على الإنترنت تحت عنوان "قصة الموسيقى والرياضيات"، حيث حاولت تناول الموضوع بشكل مبسط يجعله متاحًا للجمهور العريض، فالموضوع جديد إلى حد ما في الإنترنت العربي، تجاوب المشاهدين كان إيجابيا جدًا ومشجعا لي على الاستمرار، وخلال السنوات الأخيرة، بدأت مغامرة البحث العلمي في هذا الاتجاه، واهتمامي تركز بشكل خاص على الإضافة النوعية التي يمكن للرياضيات أن تقدمها للموسيقى العربية.










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة