عندما يُطلب منا أن نُلبي احتياج ما لشخص نظير تهديد معين، وقد تؤدي عدم الاستجابة لتهديد هذا الشخص إلى آثار مباشرة تقع علينا بغض النظر عن صورتها؛ فإن هذا يُعد ابتزازًا، وبالطبع قد يأخذ صور متعددة تبدو في التعاملات المباشرة بين الأفراد، وقد يمارس عبر التقنية الرقمية؛ عندئذ يطلق علية ابتزاز إلكتروني.
ونتيجة لسهولة التواصل عبر مواقع الرقمية المختلفة وخاصة المجانية منها، شاع هذا السلوك غير القويم بين بعض شرائح المجتمع، خاصة فئة الشباب والفتيات، وأضحى التخوف منه لدى الجميع واضحًا؛ فلا يرتضي أحد لغة الإكراه وسلب الإرادة والحرمان من حرية التصرف المشروع من قبل شخص قد يعرفه أو لم يقابله قط.
ومن المأسوف عليه أن مواقع التواصل الاجتماعي المجانية قد أتاحت إمكانية التخفي لمستخدميها، مما أدى إلى سوء توظيفها واستخدامها من قبل بعض المغرضين ذوات المرض النفسي والاجتماعي؛ فصار الحصول على الضحية التي وضعت الثقة الزائد في تعاملاتها مع الآخرين متاحة، وسهولة النيل منها بالأساليب والحيل الخبيثة والمبتكرة باتت قائمة؛ فنرى ونشاهد صور التزوير والادعاءات الكاذبة عبر هذه المواقع مصبوغة بألوان من الفبركة التي يعيشها المبتز ويقع في فخها ضحيته ببراءة.
وفي حالات يصعب حصرها يرضخ للمطامع والمطالب بغض النظر عن آثارها المختلفة، ولابد عند التعرض لابتزاز إلكتروني آياً كان شكله ومضمونه، ينصح بالإبلاغ عن الحادثة إلى الجهات المعنية المختصة بذلك، مثل الشرطة أو الجهات القانونية المختصة، وعدم الاستجابة لمطالب المبتزين؛ فالابتزاز الإلكتروني جريمة رقمية خطيرة وغير قانونية في معظم الدول، ولابد أن تكون موثقة حتى يتم ضمانة نيل العقوبات المحتملة للمتورطين في الابتزاز الإلكتروني من السجن والغرامات المالية.
وفي حالات ليست بالقليلة نجد أن الأسرة غائبة عن المشهد بصورة واضحة؛ وبالتالي لم تمارس دورها التوعوي والرقابي في آن واحد؛ من حيث مصاحبة الأبناء وتمثل القدوة في الإباء والمسئولين عن تربيتهم ورعايتهم، وغياب عقد جلسات الحوار والمناقشة الخاصة بأحوال الأبناء وما يتعرضون له من قضايا ومشكلات يومية؛ ففرغت طاولة الأسرة إلا من تجمع في وقت محدود لتناول وجبة من الطعام، وقد لا يحدث في بعض الأحيان، كما لا يلاحظ رب الأسرة التغيرات التي تطرأ على جنس الأبناء، وما يستجد من سلوكيات وتصرفات مستهجنة، ومن ثم لم يكن هناك من رادع أو ضابط في حالة الانحراف عن المسار القويم؛ فالساحة فارغة والصيد والاستغلال سهل من قبل فاقدي الضمير.
ويصعب أن نقلل من أهمية الخبرة التقنية لمستخدمي ورواد مواقع التواصل الاجتماعي؛ فضعف مقدرة الفرد على تأمين ما يمتلك من بيانات ومعلومات ومرفقات خاصة أمر غاية في الأهمية، ويشكل سياج أمان ضد ما يمارسه المبتزون من تهكير لحسابات واقتناص ما بها من صيد ثمين، ومن ثم صار من يجهل الاستخدام معرضًا لصور وأشكال الابتزاز الالكتروني بكل سهولة، كما أن إتاحة الملفات الخاصة على أجهزة قد تتعرض للسرقة أو الفقد أو التلف يسمح لأصحاب القلوب المريضة أن تستخدمها بطريقة غير صحيحة وتعمل على استغلال أصحابها بطرق عديدة عبر التقنية غير المنضبطة.
وعلى أية حال لا نستطيع أن ننكر جميعًا صور الاتاحة التي منحت لأفراد الأسرة؛ فأصبح الاختلاط الرقمي لا حدود، ولا رقابة، ولا ضوابط، ولا معايير، ولا مبادئ له، كما أن صور الاختلاط ازادت سفورًا من خلال الرسائل المبتذلة على البريد الخاص، والتي تبدأ بشكل متدرج وتنتهي بكوارث وخيمة تقع على الضحية وأسرتها؛ إذ تفاجئ بنشرها على العام ليشاركها الجميع دون وعي بمخاطرها وآثارها المدمرة، وبغض النظر عن أنها تنافي صحيح الدين، القيم والعادات والأعراف.
ودعونا لا نقلل من أثر بالغ الخطورة وهو التدني الخلقي الناتج عن ضعف الإيمان بالقيم المجتمعية والأخلاق النبيلة التي تأتي من صحيح عقيدتنا السمحة، واتفقت عليها كافة الشرائع السماوية؛ حيث إنها قلب التربية وتمهين النشء وتهيئته وإعداده ليصبح صالحًا واثقًا من نفسه مؤمنًا بربه يخافه ويخشاه ويسعى دومًا لمرضاته، ويتقيه في أفعاله وتصرفاته، من منطلق رقابة ذاتية ووازع داخلي يدحر كل سلوك يؤدي لأذى الأخر وينكر حقوقه المشروعة، وبالأحرى من يفقد النفس اللوامة لا يتورع البتة من أن يعمل بكل طاقاته ليستغل الأخرين ويبتزهم بكل الصور وبكافة الطرائق غير المشروعة.
نحتاج لوعي صحيح نعمل على تنميته بصورة مقصودة ومسئولة، لدينا ولدي أبنائنا زينة الحياة الدنيا وقادة المستقبل؛ للتعرف علي كيفية استخدام وتوظف مواقع التواصل الاجتماعي بصورة مفيدة ولا يسمح من خلالها بإتاحة خصوصياتنا، وقبل ذلك نتطلع لتعضيد الوازع الخلقي من خلال غرس القيم الأصيلة التي تربينا عليها وفي مقدمتها الحياء ومراعاة حقوق الأخرين والتعامل الحسن والأمانة والصدق الذي يحافظ الفرد من خلالها على نفسه وغيره، كما أننا في أشد الاحتياج للمواجهة إذا ما تعرضنا لمبتز أو مستغل كي نؤكد له ولأمثاله أن مجتمعاتنا لا تقبل هذا السلوك الدنيء وأنه لا مجال للغدر والخيانة في بلد شريف تربي على الود والرحمة والتراحم؛ فنسيجه قوي لا يقبل التفكك وتدني الأخلاق.
حفظ الله علينا ديننا وأخلاقنا وقيمنا وأبنائنا، وبلادنا من كل مكروه وسوء.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة