عندما تمتلك طائفة أو جماعة، الجرأة وغلظة العين وعمى القلوب، وتتدخل فى تغيير نص دينى مقدس، بالحذف والإضافة، فلا تنتظر منها أمانا وصدقا واحتراما، مهما غالت هذه الطائفة أو تلك الجماعة فى أنها تعلى شأن الديانة وكتابها المقدس، وتنصب نفسها بأنها حامية حمى هذا الدين، والدفاع عنه بالأرواح قبل الأموال، وكهنة اليهود الذين كانوا فى بابل فى القرن السادس قبل الميلاد، أعادوا كتابة التوراة، وأضافوا إليه تاريخا مزيفا، يرسخ لمشروعهم الاستعمارى التوسعى، والسيطرة على أراضى ومقدرات الغير، اغتصابا وقتلا وحرقا وتدميرا.
كشفنا فى سلسلة هذه المقالات، عن أنه كيف حوّل الكهنة «التوراة» إلى كتاب تاريخ مزيف، وكيف سرقوا تاريخ الشعوب وحضارتهم، وتحديدا الحضارة المصرية والبابلية، ونسبها لأنفسهم، وكيف سرق الكهنة اليهود شعار مشروع ملك مصر العظيم، تحتمس الثالث «الإمبراطورية المصرية ما بين النيل والفرات»، والتى حققها بانتصاراته المدوية، وصارت مصر أكبر إمبراطورية فى التاريخ، فى الأسرة الـ18 واتخذوه شعارا لهم مدونا على مبنى الكنيست الإسرائيلى «إسرائيل الكبرى من النيل للفرات»، فإننا نكشف فى هذا المقال كيف لجأوا للأساطير لإقرار أمر واقع، أو لإحداث «دوشة» تقنن وضعا خاطئا ومزيفا، ونسرد بعض هذه الأساطير المدونة فى كتبهم.
أول هذه الأساطير أن الكهنة الذين أعادوا كتابة التوراة فى القرن السادس قبل الميلاد، ثم التوراتيين الذين ترجموا الكتاب المقدس، حاولوا التأكيد على أن «خابيرو» هم «العبرانيون» المذكورين فى التوراة، وهو ما رأه معظم الباحثين فى التاريخ وحتى علم الأديان، أنها ترجمة خاطئة وموجهة، ثم غالوا فى الترجمة، لتحريفها إلى «اليهود».
الأسطورة الثانية، حاول الكهنة الأوائل التأكيد على وجود اليهود فى فلسطين منذ فجر التاريخ، بتأليف أسطورة أن هناك حاكما لمملكة مجاورة لفلسطين، بعث برسالة للفرعون المصرى يستغيث ويشكو فيها من هجمات اليهود على حدود مملكته، فى قلب فج للحقائق والتزييف وتأليف أساطير وهمية، من عينة أن «الخفيرو» وترجمتها الصحيحة «العصابات» حرفها الكهنة إلى «اليهود»، وذلك ليثبتوا أن اليهود كانوا متواجدين فى فلسطين فى القرن الرابع عشر قبل الميلاد.
الأسطورة الثالثة وهى الأشهر، والمتعلقة بوجود هيكل سليمان فى القدس، رغم أن عالمة الآثار البريطانية الشهيرة وقائدة علماء الآثار فى الثقافة ما قبل الحجرية فى منطقة الهلال الخصيب، كاثلين كينيون، والمعروفة أيضا باكتشافاتها فى «أريحا» والحاصلة على لقب سيدة من البلاط الملكى البريطانى، كشفت بالأدلة والوقائع وبعد قيادتها لفريق بحثى متمكن، وعمل شاق فى البحث والتنقيب عن هيكل سليمان، سنة 1968، عدم وجود أى أثر لهيكل سليمان بالقدس، وأن كل ما يتداول عن وجود لهيكل سليمان، ما هى إلا أكاذيب لا أساس لها من الصحة.
نتائج ما أعلنت عنه العالمة البريطانية كاثلين كينيون، من مفاجآت مدوية، شجع بعثات حديثة للبحث والتنقيب بكثافة، ومنها بعثة قررت البحث عن موقع مدينة «حبرون»، وهى المدينة التى تدعى التوراة أن النبى موسى أرسل بعض رجاله للاستقصاء ودراسة الوسائل التى يدخلون بها المدينة، وبالفعل دخلوها بعد إتمام الاستطلاع كما ورد فى كتاب يوشع «1 ـ30» والقضاة «1 ـ10».. وبعد رحلة تنقيب شاقة أيضا كانت المفاجأة الصادمة التى كشفتها الحفريات، وهى مدينة «حبرون» لم يكن لها وجود وقت دخول نبى الله موسى وقومه، وأن تاريخ إنشائها يعود إلى عام 750 قبل الميلاد.
الأسطورة الرابعة، تقول إن مدينة «جيشون» الوارد ذكرها فى سفر القضاة «4 و5» بأنها كانت موجودة فى عهد نبى الله موسى، أثبتت الحفريات أنها لم تكن موجودة من الأصل فى العصر البرونزى، وأن تاريخ إنشائها يعود إلى عصور متأخرة.
وللحديث بقية إن شاء الله.. إن كان فى العمر بقية