حازم حسين

أن تخوض حربا واحدة وتخسر ثلاثا.. حال نتنياهو ما بعد ورقة بايدن واستقالة جانتس

الثلاثاء، 11 يونيو 2024 02:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

صارت الحربُ حروبًا، ونتنياهو على الجبهة يضربُ فى كلِّ اتّجاه. الفكرةُ الوحيدة التى تُحرّكه ألَّا يربحَ الخصومُ؛ ولو قاده ذلك إلى خسارةٍ تتكشَّفُ ملامحُها يومًا بعد آخر.. إنه مأخوذٌ فى غزّة بوَهمِ النصر الكامل، ومع واشنطن بأن يأخُذَ من بايدن كلَّ ما يُريد ولا يعطيه شيئًا، أمَّا فى الداخل فالمسألةُ كانت مُركَّبة، وبأثر الصراعات الشخصية التى تتلبَّسُ وجهًا سياسيًّا وعسكريًّا، تحوَّل التركيبُ إلى تعقيدٍ كامل. صحيح أنه مُراوغٌ كبير، ومُفاوضٌ شديد المَكر والشراسة؛ إنما على ما يبدو أنَّ قواعد اللعبة قد تغيَّرت تمامًا من حوله، وأنه لا يلحظُ ذلك، أو يتعالى على الاعتراف به.. والحال أنَّ المضىَّ فى الحرب لم يعُد ميسورًا، والرجوع عنها لا يقلُّ خطرًا، وفيما بينهما تتباعد ضِفّته عن الأصدقاء والحلفاء، بينما يبدو أنهم باتوا أقرب إلى العدوِّ ممَّا هُم إليه، ومن دون اتّفاقٍ أو ترتيب؛ لا لشىءٍ إلَّا أنه قطعَ الخطوطَ مع الجميع، وجعل فكرةَ الخلاص منه اقتراحًا مُفضّلاً لدى كلِّ الأطراف؛ باستثناء التوراتيِّين طبعًا.. أدار زعيمُ الليكود أسوأ برنامجٍ مُمكن للسقوط فى عيون الحاضنة القريبة، وتمكين غريمه «السنوار» من رقبته، وسواء اضطرّ للانحناء المُعجَّل أمام العاصفة، أو استطاع المُناورة لمُهلةٍ إضافية؛ فالمُحصِّلة النهائية من واقع الشهور الماضية أنه خاضَ معركةً واحدةً وخسر ثلاثًا.


كانت أُمورُه حتى مايو الماضى تحت السقف؛ فأغراه الانتظامُ بأن يخرقَ دوائر الأمان صُعودًا إلى ذروةٍ مُستحيلة. أراد أن يُهدِرَ حصيلةَ أربعة أشهر من المفاوضات منذ جولتى باريس، ثمَّ جولات القاهرة والدوحة؛ فرتَّب كلَّ المُقدِّمات التى اعتبرها صالحةً لنَقض الاتفاق. المفاجأةُ أنَّ «حماس» لم تُلاقِه فى الموعد المضبوط كما تخيَّل، أو كما اعتاد منها؛ فأعلنت قَبولَ مُقترح الهُدنة وتركته وحيدًا فى الميدان. هكذا انطلقت عمليّةُ رفح بمُغامرةٍ غير محسوبة، وتعقَّدت الأوضاعُ مع الوسيط المصرى، وكشفَ هشاشةَ الضامن الأمريكىّ وانكشفت نواياهُ له وللعالم؛ فتعقَّد موقف واشنطن أكثر ممَّا كان عليه منذ السابع من أكتوبر. ومن هنا اجترحَ «بايدن» مسارًا غير اعتيادىٍّ وإن منحَه عنوانًا إسرائيليًّا، وتفكَّكت المظلَّة الإجماعيّةُ التى وفَّرها يمينُ الوسط بعد الطوفان، واستحكم الاختبارُ عليه، وصار الاختيارُ واقعًا فى حَيّز أن يتقبَّل هزيمةً تكتيكيّة عاجلةً، أو يمضى بثباتٍ نحو انهزامٍ استراتيجىٍّ مُوجَّل.. كلُّ الاحتمالات الآن بين أن يتجرَّع كأسَ السُّمّ بالصدام مع الجميع، أو أن يُمالِئَ أحدَ الأطراف فينكسر أمام الجميع أيضًا.


أصغرُ الأُمور وأشدُّها تفاهةً صار لها وَقعُ المُفاجأة. لقد كان عَالِمًا منذ البداية بأنه فى تحالفٍ ظَرفىٍّ مع بينى جانتس، وأنها دائرةٌ لا مفرَّ من كَسرها طال الوقت أمْ قَصُر؛ ولكنَّ التوقُّع لم يَنفِ عن استقالة الأخير أنها كانت ضربةً قاسية، أربكت حساباته المُعدَّة بعنايةٍ شديدة، وتركت أثرَ الصدمة كما لو أنها داهمته على غير تصوُّرٍ أو استعداد. لقد بدأ الحربَ من نقطةٍ فردانيّة تمامًا؛ وها هو يعودُ لاستكمالها وحيدًا، وعاريًا إلَّا من عصابته اليمينيّة واحدة الطيف. أصابه «الطوفان» فى مقتلٍ؛ لأنه كان حُكمًا قاطعًا بالفشل والإخفاق، وأن يُضطَرَّ لمُواجهةِ ما تبقَّى من ارتداداته دون إسنادٍ جَبهوىٍّ أوسع من الليكود وزُمرته؛ فالمعنى أنه يتحمَّلُ مسؤوليةَ البداية السيِّئة بمُفرده، والختام السيِّئ أيضًا، ولم يعُد إلى جواره من يقتسم معه تكاليف الشهور الماضية. ناهيك عن أنَّ الرياح الأمريكية لم تعُد تهبُّ فى أشرعته مثلما كانت. ولا تبدو المرافئُ قريبةً أو مأمونة؛ فإمَّا يُبحرُ بقاربه المعطوب، أو يلتمس النجاةَ على شروط المُنقذين وإملاءاتهم.


كان قائدُ حزب الوحدة الوطنية ومعسكر الدولة قد انخرط فى مجلس الحرب قبل ثمانية شهور؛ لأنه أراد أوَّلاً أن يكون شريكًا فى اللحظة الوجودية الداهمة، وأن يُروِّض غريمَه المُنفلت، ولا يكون بعيدًا من صورة النصر المأمولة فى غزَّة. وحينما أعلن منتصف الشهر الماضى عن حزمة مطالب رآها وجوبيّةً لترتيب الميدان، وعلَّقَها على مُهلةٍ مشروطة حتى أوائل يونيو؛ كان فى واقع الأمر يُرتِّب السياقَ المُلائم للقفز من قارب نتنياهو. اضطُرَّ لاحقًا لإرجاء موعد مُؤتمره المُبرمَج سَلفًا، عقب نجاح الاحتلال فى تحرير أربعة رهائن من منطقة مُخيَّم النصيرات ظهر السبت؛ لكنه عاد بعد يومٍ واحد ليَفِى بوعدِه، مُعلنًا الخروج من مجلس الحرب اتِّصالاً بما عَدَّه إخفاقًا وتسلُّطًا من نتنياهو، وتسييدًا للحسابات السياسية على الاعتبارات الاستراتيجية، بصورةٍ تُغيِّم أُفقَ النصر الحقيقىّ، وتبعه حليفُه جادى آيزنكوت باستقالةٍ مُماثلة؛ ثمَّ اكتملت الملهاةُ بأن يطلُبَ وزير الأمن القومى المُتطرِّف إيتمار بن غفير أن يحلَّ بدلاً منهما. هكذا يجد «بيبى» نفسه فى المشهد الوحيد الذى لم يكن يتمنَّاه؛ إذ تنفكُّ قبضةُ الوسط التى كان يُروِّض بها حلفاءه التوراتيِّين؛ ليجد نفسَه تحت رحمة الأخيرين وحدهم داخل الحكومة، وفى غُرفة إدارة الميدان.


سيذهبُ على الأرجح إلى تفكيك حكومة الحرب المُصغَّرة؛ لا سيّما أنه أخفقَ فى استمالة أفيجدور ليبرمان أو جدعون ساعر، ومن المستحيل بطبيعة الحال أن ينخرط معه يائير لابيد. الحسبةُ الآن أنه فَقَد ثمانية مقاعد من جملة اثنين وسبعين، وعاد إلى كُتلة حكومته الأصلية بواقع 64 مقعدًا. لذا لن يكون مُفيدًا أن يستبقى حكومة الطوارئ ومجلسَها الحربىَّ طالما أنهما لا يُضيفان حصانةً للائتلاف؛ فكلُّ ما يُمكن أن يتحصَّل عنهما الآن مزيدٌ من ضغوط الصهيونية الدينية، إن نجحت فى حصاره من ثلاثة أضلاع، دون حضورٍ لقوَّة اعتدالٍ تُكافئها أو تخلقُ مشهد التوازن المفقود معها. ومَكمنُ الخطر أن جانتس وآيزنكوت لن يكتفيا بالخروج الهادئ؛ إذ يعودان لصفوف المُعارضة، وسيقودان بالضرورة موجةَ الغضب الصاعدة فى الشارع وبين الطبقة السياسية، وربما يشتغلان على استمالة بعض نواب الليكود أو بقيَّة أحزاب الائتلاف؛ على أمل أن يُطاحَ نتنياهو لصالح بديلٍ من داخل تيَّاره، أو فى التصوُّر الأكثر ورديّةً عبر الذهاب لانتخاباتٍ مُبكِّرة. وفى هذا السياق؛ ربما يكونُ الأفضل لرئيس الحكومة أن يسدَّ الثغرات، ويُقلِّص النقاطَ الرخوةَ التى يُمكن أن يُطعَنَ منها، ولعلَّ كلَّ الفعاليات الرديفة أو البديلة على أطراف الحكومة من مكامن الضعف، والأفضل التخلِّى عنها طالما يتعذَّر الترميم فيها أو إعادة البناء.


أثرُ التفكُّك الطارئ ربما يكون معنويًّا فقط، ومن دون ظلالٍ ماديّة حاضرةٍ أو مُرجَأة. لم يكن جانتس من الحمائم إطلاقًا؛ بل لم يُقدِّم استجابةً أكثر اعتدالاً وأقلَّ جنونًا من تفاعُلات نتنياهو مع جبهة الحرب. مناطُ الخلاف يقعُ فى نطاق ترتيب الأولويات، والمُخطَّط الزمنى لإنزال الهزيمة الساحقة بغزَّة وفصائلها، وليس فى الاعتراض على المقتلةِ نفسِها وبرنامجها المُعلَن. لقد شعر الجنرالُ السابق بالتهميش داخل الكابينت الحربىِّ، وبأنه مُستبعَد من صورة الميدان وتطوُّراته، ومن وَضع الخطط وإقرار أجندة القتال أو الحوار؛ وزاد على ذلك أنَّ استطلاعات الرأى المُحدَّثة أشارت لتآكل مُستويات دعمه السابقة، وأنه يخسر ما حقَّقه من رصيدٍ فى أول الأزمة؛ كلما انزلق فى مُخطَّطات نتنياهو وتوحَّد معها أو اصطبر عليها. بمعنى أنه لم يعد مُستفيدًا من الائتلاف؛ وصار يُسدِّد عن عضويته فواتيرَ باهظةً دون طائل. وهكذا يبدو أنه مُتورِّط فيما أدان به غريمَه؛ إذ التهمةُ أنَّ قائدَ اليمين المُتطرِّف يُديرُ المشهدَ لحساباتٍ شخصية؛ بينما ينسحبُ رمزُ الوسط الآن للأسباب نفسها، فمن ناحيةٍ يثأرُ لصُورته الشخصية عن التجاهل والإنكار، ومن الثانية يقطعُ خطَّ النزيف فى الشعبية والحظوظ المستقبلية، ويُغادر الدائرةَ طمعًا فى أن يعود إليها مُستقبلاً؛ إنما كبديلٍ كاملٍ، لا مُجرّد تابعٍ أو شريكٍ مُعطَّل.


يعرفُ «بيبى» أثرَ انقلاب «بينى» وكُلفتَه المُباشرة؛ إنما على الأرجح أنه درسَ كلَّ الاحتمالات وأَعَدّ خياراته للتعاطى معها. لقد عزّزت عمليةُ تحرير الرهائن من موقفه، ويثقُ فى أنه كلَّما أبقى الميدانَ مُشتعلاً؛ فإنَّ وهجَه لن ينطفئ فى عيون أتباعه، ولا لدى بعض الهائجين من الشارع العِبرى المأزوم.. الخطرُ الأكبرُ يأتى ممَّا يترافقُ مع الخطوة، ويضعُها فى سياقٍ مُغاير لمعناها الظاهر. لقد وقف «بايدن» قبل عشرة أيّامٍ تقريبًا على منصَّة البيت الأبيض مُعلِنًا عن خطّته لوَقف الحرب، وبينما قال إنها ورقةٌ إسرائيلية من مُتحصّلات الحوار بين فريقه وسُلطات تل أبيب، ردَّ مكتبُ رئيس الحكومة نافيًا المسألةَ ضِمنيًّا، ثمَّ أقرَّها على استحياء، ثمَّ أعلنَ تمسُّكَه بالأهداف الثلاثة التى تتنافى مع فكرة التهدئة أصلاً، وبعدها تحدَّث عن قبول مرحلةٍ واحدة من الثلاثة، وظلَّ بين إقدامٍ وإحجام يقولُ الشىءَ وعكسَه تمامًا. بدا الرجلُ كما لو أنه يعرفُ بعضَ البنود مُسبَقًا، وفُوجئ ببعضها، وأنه أراد أن يَرقُصَ على الحبل الفاصل بين إرضاء الأمريكيين بكلِّ مزاياه السياسية والعسكرية، وعدم إغضاب التوراتيين بكل تباعاته الداخلية، لا سيّما وهو مُتشدّدون فى التلويح بنَقض الائتلاف.


لم يكتفِ الطَرحُ بالدعايات الترويجيّة وخطابات حُسن النوايا فحسب؛ على ما جرت عادةُ الإسناد الأمريكىِّ المُتشدِّد لصالح تل أبيب، وشديد الليونة فى كلِّ ما لا يقعُ بين تفضيلاتها. أعدَّت واشنطن مشروعَ قرارٍ وزّعته على مجلس الأمن، ودعت للتصويت عليه فى موعدٍ قريب، وخُلاصته إقرار محتوى خطَّة وقف إطلاق النار بمراحلها الثلاث، وهى لا تختلفُ كثيرًا عن الورقة المصرية التى سبق أن أقرّتها «حماس» ورفضها الصهاينةُ، باستثناء تفاوُت الإحكام فى صياغات الجُمل التوقيفية وطبيعة صفقة المُبادلة من حيث الأعداد والمواقيت. والحال أنَّ إنفاذَها بقرارٍ أُمَمىٍّ إنما يُقوّض جنونَ الحكومة اليمينية، ويُرتِّب أعباء تستحيلُ معها مواصلة الحرب بالوتيرة نفسها، أو إملاء شروط التهدئة كما أرادت فى كلِّ المحطّات السابقة؛ أمَّا التطوّر الأخطر فيخصُّ الثوابت الركينة بين ثنايا القرار، وأهمّها النصُّ القاطع على رفض أيّة تغييرات ديموغرافية أو جغرافية على غزّة، بما يعنى إنهاء فكرة التهجير أو الاحتلال الدائم أو اقتطاع بعض المساحات، كما يُجدِّد تثبيت «حلّ الدولتين» كخيارٍ نهائىّ، وينصُّ على وَصل الضفَّة بالقطاع تحت راية السلطة الوطنية، وكلها مسائلُ تُقارب الانتحار بالنسبة لنتنياهو وحكومته، وتتصادمُ تمامًا مع فلسفته المرعيّة منذ صعد للسلطة أول مرَّة فى التسعينيات، ثمَّ مع برنامجه الحربى الغاشم من أكتوبر إلى اليوم. وبعيدًا من صِدقيّة الإدارة الأمريكية، أو أنها تُناورُ على أبواب انتخابات؛ فالاحتلالُ يخوضُ مَعركةً هادرة مع الوقت، ولا مصلحةَ له فى أن تُسرَقَ منه بضعةُ أسابيع تحت عنوان التهدئة الحقيقية أو الشكلية؛ إذ لن يعود بمقدوره بعدها أن يعودَ للقتل من الذروة نفسها، هذا لو تيسَّر أن يستبقى كراسيّه أصلاً ولم تُطِحه العواصفُ الطارئة وقتها.
ما فاتَ يُعزّز النظرَ لتفكيك مجلس الحرب من زاويةٍ أعمق فى مضمونها ودلالاتها.. يحتفظُ رئيس الأركان الأسبق بعلاقاتٍ وطيدة مع واشنطن، وسبق أن زارها قبل شهورٍ على عكس إرادة نتنياهو، وتردَّد أنه ربما يكون البديلَ المُفضَّل لدى الأمريكيين. هكذا ربما تكون الاستقالة الآن تمهيدًا لإطاحة الليكود بائتلافه، أو خطوةً على طريق ترويضه وإخضاعه لورقة التهدئة المُقترَحة. أمَّا ردُّ الفعل المُقابل فينطوى على احتمالاتٍ شبيهة أو مُقاربة؛ إذ لم يحاول رئيسُ الحكومة أن يُثنى حليفَه الحربىَّ عن فكرة المُغادرة؛ باستثناء تغريدةٍ عاطفيّة قال فيها إنها ساعة الوحدة لا الرحيل عن الميدان. والمعنى أن «بيبى» ربما يقرأُ فكرةَ المُنافسة والمَيل الأمريكى فعلاً، أو صار مُنزعجًا من تصاعد شعبية جانتس، وفى كلِّ الأحوال يُفضِّل أن يشتبكَ مع بَيدق الضغط المُتقدِّم من موقع العداء، بدلاً عن أن يُفاجأ باقتحامه له من داخل البيت أو تحت الراية الجامعة.


حلَّ بلينكن ضيفًا على المنطقة بوصوله القاهرة أمس، والجولةُ تشمل إسرائيل، وسيلتقى فيها نتنياهو بطبيعة الحال؛ إنما ما قد يُزعج الأخيرَ أن برنامج الزيارة يشمل الفُرقاءَ والخصوم: جالانت، ولابيد، وجانتس تلك المرَّة على صورة الغريم لا شريك الائتلاف. وإذا كانت الحكومةُ مُستندةً لأغلبيّةٍ برلمانية؛ فإنها مُعلّقة على خمسة مقاعد فحسب، ولدى رئيسها ثقةٌ كاسحة فى 46 مقعدًا تخصُّه مع بن جفير وسموتريتش، إنما البقيّة من قبيل الخاصرة الهشّة؛ لا سيَّما أن حزب «شاس» مثلاً يُحبِّذ خطّة بايدن، وأعلن انحيازه لأيّة صفقة تُعيد الأسرى، ما يعنى أن الحاضنة اللصيقة قد تهشّم أو تُصيبها التشقٌّقات فى أيّة لحظة. وإذا كان بالإمكان الجَزم بأنَّ وقف إطلاق النار الآن بمثابة إطلاقٍ للنار على نتنياهو؛ فإن استمرار الحرب أقرب لتفخيخ غرفة نومه.


إنه عاجزٌ فى غزّة، وعلى أطراف الصدام فى لبنان، وينزف اقتصاديًّا وعسكريًّا وسياسيًّا، ولديه مشروع لتجنيد «الحريديم» قد يَقلبُ دائرةَ حُلفائه رأسًا على عقب، أو يستعدى عليه العلمانيين والوسط وبقيّة أطياف اليمين بصورةٍ أشرس؛ لو رأوا منه تهاونًا أو مُداهنةً أكبر فى المسألة الخلافية. إنْ توقَّفَ الآن سيكون مُقصِّرًا فى عيون داعميه التوراتيِّين، وإن واصلَ المسارَ فسيُضطرّ لاختصامهم فى أثمن مُكتسباتهم؛ لا سيّما الوضعية الخاصة لطلاب المدارس الدينية، وأغلبهم من المستوطنين والحاضنة اللصيقة لأحزاب الصهيونية الدينية.. كلُّ خياراته خلاف ما يُحبّ تمامًا، وأحلاها مُرّ، وعاجلاً أو آجلاً سيتجرّع كأس السمّ التى تهرّب منها طويلاً، وقد لا تتّسع مُهلتُه فى السلطة أن يُراجعَ نفسَه ويستكشف خطاياه كاملةً؛ إنما ستكون لديه فسحةٌ فى تقاعده الطويل المُملّ، هاربًا أو سجينًا، أن يستوعبَ مُفارقةَ أن يخسر بالفشل ويخسر بالجنون، وفى السياسة والسلاح، وأن يُقدِّم لخصومه، وأبرزهم «السنوار»، أكثرَ ممّا توقعوا منه، ثمّ فى النهاية أن يكون القائد الوحيد الذى حارب فى جبهةٍ واحدة؛ فخسر فى كلِّ الجبهات بلا استثناء.










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة