سعيد الشحات يكتب.. ذات يوم 13يونيو 1848.. الباب العالى يمنح إبراهيم باشا فرمان ولاية مصر فى حياة والده المصاب بالجنون.. ونبوءة عراف القصر تنقذ الجميع من الحيرة

الخميس، 13 يونيو 2024 10:00 ص
سعيد الشحات يكتب.. ذات يوم 13يونيو 1848.. الباب العالى يمنح إبراهيم باشا فرمان ولاية مصر فى حياة والده المصاب بالجنون.. ونبوءة عراف القصر تنقذ الجميع من الحيرة

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

أصيب محمد على باشا بالمرض، ففكر ابنه إبراهيم فى نقل السلطة إليه رسميا ودون أن يشعر الوالد بأن ذلك اغتصابا، حسبما يذكر نوبار باشا فى مذكراته، وكان نوبار وزيرا ومستشارا لمحمد على وابنه إبراهيم، ويروى أسرار هذه القصة.


يقول نوبار، إن محمد على أصيب بالدوسنتاريا الحادة عام 1848، وترك مصر متجها إلى جزيرة مالطا للمثول فى الحجر الصحى، ومع استفحال المرض لجأ الأطباء إلى علاجه بمحلول نترات الفضة ونجح فى وقف المرض، لكنه نال من قدراته العقلية، ويصف نوبار حالة الباشا مع مرضه، قائلا: «لم يكن من الممكن أن أقول إن محمد على فقد عقله تماما لأنه فى لحظات ما كان يدرك تماما الحالة التى هو عليها، ويراقب نفسه، فما أن يشعر بأنه سوف يدخل فى نوبة هذيان أو فقدان العقل إلا ويختلى بنفسه فى عزلة تامة محاولا بكل قوة أن يستعيد تسلسل أفكاره، وسواء كان يستطيع هذا أم لا إلا أن هيئته ومظهره لم يتغيرا، كان محتفظا بهيبته وبهذه القدرة الفائقة على أن يظل أنيقا ونظيفا إلى حد التبلور داخل هذه الأناقة والنظافة، وعيناه دائما متيقظتين ونشطتين، دائما يجلس وركبتاه نصف مثنيتين، وخنجره فى متناول يده».


يؤكد نوبار: «منذ أبريل 1848 لم يكن فى استطاعتنا إعلان جنون محمد على، ولم يكن من الممكن أيضا الاعتراف بسلامة قواه العقلية، لذلك قررنا عدم تغيير أى شىء فى سير الأمور من الناحية الشكلية، ولجأ النظار ورؤساء الإدارات فقط إلى إبراهيم لتلقى الأوامر أو عرض مقترحاتهم عليه، وطرحت فكرة تكوين مجلس وصاية برئاسة إبراهيم إلا أن الأخير رفض، لأنه أراد أن تكون له السلطة الفعلية، ومن ناحية أخرى يخشى من فكرة شفاء والده الذى سيجعله يدفع حياته ثمنا لكل عمل فعله لتدعيم سلطته رسميا، لأن محمد على كان سيعتبره اغتصابا للسلطة، وفكر إبراهيم بحكمة فوجد أن تكوين مجلس وصاية يستلزم تأييد وموافقة الباب العالى كى يصبح شرعيا، ويعترف به ممثلو القوى العظمى فى مصر».


يؤكد نوبار، أن إبراهيم لم يكن أمامه أى مجال سوى الذهاب إلى القسطنطينية لطلب الولاية، وشغله أمر العثور على حجة للسفر، وفى أثناء انشغاله بذلك خرج يوما من قصر محرم بك، حيث يقيم عند شقيقته نازلى، يتذكر نوبار: «وضع أمامى منديله الملوث بالدماء، ولم يكن يريد استدعاء الأطباء، ولكننى بطريقة أو بأخرى أرغمته على استدعاء كلوت بك، ووجد الأخير أن الحالة عضال وصرح لى بصفة شخصية وسرية بأنه يعتقد بأنها إصابة قوية فى الرئة، وظل هذا الأمر سرا وتوقف النزيف بفضل الدواء الفعال الذى وصفه كلوت بك».


كان «كلوت بك» طبيبا فرنسيا جاء إلى مصر عام 1825 ليعمل فى وظيفة «جراح باشى»، وصار جراح محمد على، واستعان به لتنظيم الخدمة الصحية فأسس مدرسة للطب فى أبى زعبل عام 1827 ونقلت إلى مكانها الحالى بقصر العينى فى أوائل 1837، وفقا للدكتور زكريا الشلق فى مقدمته لكتاب «لمحة عامة إلى مصر»، تأليف كلوت بك، ترجمة وتحرير: محمد مسعود».


يذكر نوبار، أن الكوليرا انتشرت بشكل مفاجئ بالإسكندرية فى وقت انشغال إبراهيم بالبحث عن حجة للسفر إلى تركيا، فوجدها حجة مثلى وأصدر أوامره بتجهيز السفينة الحربية الوحيدة الباقية من الأسطول الذى كونه محمد على، ولكى يصدق الجميع أن تفشى الوباء هو السبب الوحيد لسفره، أرسل ابنيه مصطفى وأخاه الصغير محمد على أولا على ظهر يخت شراعى أمر قائده بالتوقف فى عرض البحر بين جزيرة رودس والإسكندرية، دون الرسو فى أى ميناء أيا كانت الأسباب.


وصل إبراهيم إلى القسطنطينية، وتوافد الوزراء وكبار رجال الدولة والنبلاء للترحيب به، يتذكر نوبار: «لم تكن تصرفات إبراهيم هى نفسها التى كان يتحلى بها فى بلاط فرنسا أو إنجلترا، كان يعامل زائريه برعونة، ويرفض أن يتقيد معهم بأصول ولغة الدبلوماسية المتعارف عليها فى الباب العالى التى تساير تقاليد البلاط السلطانى».


يضيف: «كان قلقا بسبب أخبار عن تردد الباب العالى فى منحه الولاية التى يطلبها فى حياة أبيه، وعرض عليه منصب الحاكم العام فى مصر دون ولاية، فرفض، وأصبح الموقف غامضا حتى جاء عراف القصر ليخرج الجميع من هذا المأزق وهذه الحيرة، وأعلن أنه بعد استشارة الكواكب كان الرد أن إبراهيم سيموت قبل مرور ستة أشهر، وكانت هذه النبوءة تتفق مع ما أعلنه أيضا طبيب القصر النمساوى المكلف برعايته، فبعد أن فحصه تبين له أن إبراهيم يتقيأ الدم من فمه نتيجة إصابة خطيرة فى الرئة، ومن ثم تقرر منحه الولاية يوم 13 يونيو مثل هذا اليوم عام 1848»، ووفقا لنوبار باشا: «فى صباح اليوم التالى تركنا القسطنطينية».










مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة