معتمد عبد الغنى

"ولاد رزق 3".. وجاذبية أفلام اللصوصية

الأحد، 16 يونيو 2024 04:14 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

في عالم السينما، قليلة هي الأفلام التي تنجح في تقديم سلاسل تحافظ على جودتها وتطورها مع كل جزء جديد، "ولاد رزق 3" يُعد نموذجًا لهذا النجاح، حيث يستكشف الفيلم العالم السفلي للجريمة داخل إطار درامي متسق والتواءات في الحبكة مبتكرة تُبقي المشاهد في حالة ترقب وانتظار للحظة الكشف عن "التويست"، ذلك المشهد الناقص الذي يُعاد تقديمه بطريقة ذكية ومحكمة.

يُخطئ من يعتقد أن جاذبية فيلم "ولاد رزق 3" تكمن في جرائم السرقة التي تُنفذها شخصياته، رغم أن هذه السرقات تمثل عنصرًا أساسيًا في حبكة الفيلم، إلا أن السحر الحقيقي يكمن في طبيعة هذه الشخصيات، نجح المؤلف صلاح الجهيني في رسم شخصيات ظلامية مُتفردة لا تشبه بعضها البعض، لكلّ منها دوافعها وطموحاتها وصراعاتها.

على رأسهم رضا (أحمد عز)، الأخ الأكبر الذي يُحاول جاهدًا انتشال إخوته من عالم الجريمة، لكن القدر يعيدهم دومًا إلى دائرة الخطر. إنها رحلة شبيهة بأسطورة سيزيف، حيث يتطلب النجاة ذكاءً ودهاءً للتغلب على المأزق.
أبطال ولاد رزق شخصيات رمادية أخلاقيًا، تعمل خارج نطاق معايير "الخير" و"الشر"، يسرقون لكن يرفضون إراقة الدماء، غير أوفياء للنساء اللاتي يرتبطن بهن، لكنهم أوفياء كأشقاء لبعضهم البعض. شخصيات درامية مثيرة للفضول وأكثر جاذبية من الشخصيات المثالية أو السلبية، لأن البطل -رغم كل عيوبه- يهزم من هو أكثر شرًا منه، وفي عالم "ولاد رزق"، اللعبة تعتمد دومًا على الأذكى وليس الأقوى، مما يجعل الصراع الداخلي والخارجي لهذه الشخصيات عنصر جذب رئيسي للجمهور.

يعتمد الفيلم في كل مرة على فكرة “الكماشة”، حيث يُوضع الأبطال بين خطرين مُتزامنين يُهدّدان حياتهم. تُضفي هذه الاستراتيجية عنصرًا من التشويق والإثارة على القصة، مما يُبقي المشاهد مُتعلقًا بالشاشة حتى اللحظة الأخيرة. في الجزء الأول كان التهديد مُتمثلًا في المعلم صقر (سيد رجب) والضابط رؤوف حمزاوي (محمد ممدوح)، وفي الجزء الثاني عباس الجن (باسم سمرة) والدبلوماسي كمال (خالد الصاوي) الذي يُخفي وراء مظهره الهادئ نوايا خبيثة. أما في الجزء الثالث، يُصبح فخ الكماشة أكثر إحكامًا وتضيق الدائرة، حين يُواجه الإخوة ثلاثة تهديدات دفعة واحدة مع عودة صقر للملعب، والديون التي تهدد رضا، بالإضافة إلى الخطر الأكبر المتمثل في سلطان الغول.

يجد "ولاد رزق" أنفسهم في دوامة من التحديات والتعقيدات المتداخلة، مع عودة صقر إلى الساحة، يظهر كمُخطط ماكر يسعى للانتقام، مما يضع الإخوة على حافة الخطر، الديون المتراكمة على رضا تضيف طبقة أخرى من الضغط، حيث يجد نفسه مضطرًا للبحث عن طرق غير شرعية لسدادها، وفي الوقت نفسه، يظهر سلطان الغول كخصم لا يُستهان به، يمتلك من القوة والنفوذ ما يمكنه من سحق أي عقبة في طريقه، وتتشابك الخيوط الثلاثة ليصبح الوضع أكثر خطورة، مما يبقى المشاهد منتظرًا بفارغ الصبر معرفة مصير "ولاد رزق" وكيف سوف يتخطون هذه العقبات.

تطور الشخصيات كان واضحًا ومنطقيًا مع تغير أحوال الأبطال وخروجهم من "عين الصيرة" إلى عالم الكومباوند. رضا، على سبيل المثال، يعود إلى اللصوصية مضطرًا خوفًا من العودة إلى نقطة الصفر بعدما اعتاد على حياة الثراء وحقق حلمه في تحقيق مستوى اجتماعي مناسب لزوجته وأطفاله، في المقابل، شخصية ربيع التي قدمها عمرو يوسف تغيرت أهدافها وطريقة تفكيرها عن الجزئين السابقين، خاصة مع ظهور شخصية "سمر" التي لعبتها أسماء جلال.

غياب شخصية (رجب) التي جسدها أحمد الفيشاوي عن الجزء الثالث، تم تبرير اختفائها بمنطق درامي ارتبط بسلوكيات الشخصية في الجزء الثاني، في حين لم يُذكر مصير خامسهم وصديقهم عاطف (أحمد داوود) في الأحداث، وظهرت شخصية الكوري (علي صبحي) من العدم، حاملة بعضًا من ملامح شخصية عاطف الأبله، خاصة في مشاهد منطقة ألعاب البوليفارد.

شخصية "الشايب" التي جسدها آسر يس، كان من المتوقع حسب نهاية الجزء الثاني أن تكون أداة صقر في صراعه مع ولاد رزق، لكن تم تجاوز هذا المسار سريعًا بجملة حوارية قصيرة على لسان آسر يس، ليتحول "الشايب" من خصم إلى حليف، ومن المفترض أن تُقدم هذه الشخصية في فيلم منفصل، مستفيدة من ظهورها في "ولاد رزق 3"، لتعريف الجمهور على أبعاد الشخصية وبعض من تاريخها الإجرامي، مما يُعد "فرشة" جيدة للأفلام المقبلة في السلسلة.

وأخيرًا، يجب الإشارة إلى النجم كريم عبد العزيز الذي قدم درسًا في فن اختيار الظهور كضيف شرف من خلال مشاركته الملفتة في الفيلم. في زمن يسارع فيه العديد من النجوم للمشاركة في أدوار شرفية حتى لو كانت ضعيفة أو غير مؤثرة، أثبت كريم أن المرور السريع بذكاء يمكن أن يترك بصمة في ذاكرة الجمهور أكثر من الأدوار الطويلة، على الرغم من ظهوره في مشهد واحد فقط، إلا أنه تمكن من سرقة الأضواء ببراعته وحضوره المتميز.

"ولاد رزق 3" فيلم حركة وجريمة كما يجب أن يكون، ونجح في أن يثبت أقدامه كسلسلة أفلام عن عالم الجريمة السفلي بشكل ساحر سينمائيًا. ومع الجزء الثالث، تظل أبواب السلسلة مفتوحة على مصراعيها لمزيد من مغامرات هؤلاء اللصوص التائبين.. مؤقًتا.










مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة