لاشك أن إدمان المخدرات ظاهرة نفسية واجتماعية خطيرة تهدد أي مجتمع، وأعتقد أنها إحدى مخرجات الحضارة التي نعيشها والتى تستهدف العقول والقلوب معا للسيطرة والهيمنة حتى ولو كان ذلك على حساب القيم والأخلاقيات والصحة العامة للبشر، وما أود أن أشير إليه في مقالنا هذا، هو خطر تغييب العقول عبر إدمان المخدرات، خاصة أنه أول الفئات المستهدفة من هذه الظاهرة المقيتة فئة الشباب وذلك بغرض إضعاف القدرة الإنتاجية في المجتمعات، ونشر الجرائم كالسرقة والقتل وانتشار العنف، والاغتصاب والتطرف، إضافة إلى إصابة المجتمعات بالعطب صحيا جراء انتشار الأمراض كالإصابة بالأمراض المعدية، ونشر أمراض اضطراب الشخصية وانعدام الذاكرة والانتباه والإدراك وفقدان المعرفة، والاكتئاب والشعور بالفشل وفقدان الثقة في الذات، وأيضا أمراض اجتماعية كاضطراب العلاقات الاجتماعية والعدوان الموجه نحو المجتمع كالصراعات الزوجية الأسرية التي تؤثر على المعاش النفسي للأبناء وارتكاب الجرائم الجنسية والتشرد والطلاق، والعدوان الموجه نحو الذات كالانتحار.
وبالتالى ظاهرة إدمان المخدرات، ليس ضررها على الفرد المتعاطى فقط بل تهدد الأمن الاقتصادى والاجتماعى بل الأمن القومى ككل لأى مجتمع تنتشر فيه، لأنه ثبت أن المخدرات ورواجها في أي مجتمع يؤدى - مثلا - إلى التخلف الاقتصادى لتأثيرها على انخفاض العملة المحلية وانخفاض مستوى المعيشة وزيادة الاقتراض ما يؤثر على الإنتاج الوطني وبرامج التنمية، نتيجة تدهور الكفاية الإنتاجية، وزيادة الجماعات الإرهابية المهددة للفرد والمجتمع حيث الفوضى وغياب الأمن والاستقرار.
لذلك، يتم وصف هذه الظاهرة بأنها مشكلة عالمية ولها آثار واسعة النطاق على صحة ورفاه الأفراد والأسر والمجتمعات وعلى أمن البلدان وتنميتها المستدامة، فلك أن تتخيل أن تقاير لمنظمة الصحة العالمية أكدت أن تعاطي المخدرات أحد أهم عوامل الخطر فيما يتعلق بالوفيات المبكرة وحالات الإعاقة في العالم.
وظنى، أن مصدر الخطورة هو أن تشكيل قابلية التعاطي باتت في مجالات محيط الأسرة، وفى بيئة الجوار، وبيئة المدرسة، والبيئة الافتراضية.
وأنا هنا سأقف عند البيئة الافتراضية، لأنه في ظل شبكات التواصل الاجتماعي التي أصبحت اليوم عاملاً مؤثراً في تكوين شخصية الإنسان وقيمه وسلوكياته، عصابات تهريب وترويج المخدرات لا تألو جهداً في استغلال شبكات التواصل الاجتماعي إما بتزيين وتسهيل تداول ونشر المخدرات والمؤثرات العقلية وزيادة الطلب عليها، أو باستخدام هذه الشبكات في عمليات ترويج ونشر المخدرات خاصة بين الناشئة والمراهقين باعتبارهم الفئة الأكثر استخداماً لهذه الوسائل.
والسؤال الذى يطرح نفسه كيف يتم توظيف مواقع التواصل الاجتماعى لخدمة ترويج المخدرات؟
ببساطة، يتم نشر مسميات للمخدرات ترتبط بمفاهيم تشير للقوة والنشاط، ونشر مسميات أخرى ترتبط بالإغراءات الجنسية والبدنية، وبالعمل على إقناع الشباب بتأثير أنواع المخدرات في القدرة على السهر، وتحمل مشاق العمل أو تحمل مشاق المذاكرة، أو حتى منح الجرأة في المواجهة، خلاف وسائل الإغراء باستخدام أسماء وصور نسائية بهدف إيقاع الشباب.
ومكمن الخطر، أن هناك من يعتقد سرية التعامل عبر شبكات التواصل الاجتماعي كبير، ويعتقد أنه يمكنه التخفي والحصول على غطاء آمن لمزاولة الترويج بعيداً عن رقابة الأجهزة الأمنية،وما يغريهم فى هذا الشأن أن الترويج على مواقع التواصل يتم بشكل سهل وسريع وبأقل كلفة.
وهنا ندق ناقوس خطر، لإن إدمان المخدرات خطر حقيقى على سلامة الإنسان والدولة معا، لأن مٌدمن المخدرات خاصة وإن كان موظفا فهو يعرض حياته للخطر، ويُعرض أيضا مصالح ومرافق الدولة العامة للخطر ويساهم بشكل غير مباشر فى تهديد الأمن القومى للبلد، فعلى سبيل المثال، كم من أخطاء أدت إلى الكوارث كبيرة كحوادث الطرق والقطارات وكانت نتيجة تعاطي سائقين للمخدرات، وكم من حالات كثيرة ذهبت إلى التطرف والوقوع في براثن قوى الشر والجماعات الإرهابية وكانت المخدرات عامل من عوامل الاستقطاب لهذه الحالات من قبل هذه الجماعات..
لذا، كانت الدولة المصرية مُحقة عندما قررت إجراء تعديل تشريعى، على قانون شروط شغل الوظائف الحكومية، بتضمن فصل الموظف بالجهات الحكومية الذي يثبت تعاطيه المخدرات، وتقرير عقوبات جنائية لمن يقدم عونًا للموظف متعاطى المخدرات لتعيينه أو استمراره في الخدمة وكذلك لمن يتعمد الغش في التحاليل، خلاف العقوبات المغلظة الخاصة بالاتجار، لهذا يتوجب على الشباب التفكير فى المستقبل جيدا، وأن يعلم الشاب أنه بإدمانه للمخدرات فهو عُرضة للفصل الوظيفى فى أى وقت، وعُرضة لعدم التمكّن من الحصول على وظيفة نهائيا، خلاف أنه يعرض صحته للخطر، ويُساهم بشكل مباشر وغير مباشر فى تهديد أمنه الاجتماعى والصحى، وأيضا يُعرض أمن بلاده القومى للخطر.. حفظ الله شبابنا وحفظ الله مصرنا الغالية