"ما اتحضنش وهو صغير" تلمس العبارة الساخرة الأليمة المستحدثة على فيسبوك وجع الكثيرين، وتصبح تلك الحقيقة المؤلمة، عن شخص من المفترض أن يستحق التعاطف، تعبيرًا مختصرًا عن أنه شخص غير سوي نفسيًا، ويردون ذلك إلى طفولة غير سوية لم يحصل فيها على ما يكفي من الاحتواء والحنان ما جعله شخصية سامة تؤذي الآخرين. تحب صديقتي أن تضيف إليها حالة أخرى "أو اتحضن أكتر من اللازم" في إشارة إلى التدليل الزائد الذي يؤدي للنتيجة نفسها: شخصية غير سوية تسبب الأذى للآخرين.
أفكر في العبارة وأتذكر كتاب "السير بلا وقود" الذي يسلط الضوء على الإهمال العاطفي في الطفولة وكيف يمكن أن يؤثر على حياتنا وعلاقاتنا، وكيف يعيش المرء حياته شاعرًا بالخواء وبأن شيئًا كبيرًا ومهمًا ينقصه ويحرمه الشعور بالسعادة والتواصل مع الآخرين والقدرة على التعبير عن مشاعره وفهمها، وفهم مشاعر الآخرين أيضًا، مهما بدت حياته من الخارج رائعة وجميلة.
في مقدمة الكتاب تقول المؤلفة جونيس ويب "يشعر الكثير من الأشخاص الرائعين الذي يؤدون أعمالهم على أكمل وجه ويتمتعون بقدراتٍ عالية في الخفاء بأنهم غيرُ متحققين أو ممزَّقون "ألا يجب أن أكون أكثر سعادة؟" "لماذا لم أنجز المزيد؟" "لماذا لا تبدو حياتي هادفة أكثر؟"
هذه أسئلة غالبًا ما تطرحها القوة المؤثرة غير المرئية غالبًا ما يطرحها أناسٌ يعتقدون أن والديهم كانوا محبِّين وحسني النية، ويتذكرون طفولتهم باعتبارها سعيدة وصحية غالبًا وبالتالي يلومون أنفسهم على ما لا يشعرون به في سن الرشد، إنهم لا يدركون أنهم تحت تأثير ما لا يتذكرونه … القوة غير المرئية".
و تضيف الكاتبة: "ستقابل أناسًا كثيرين في هذه الصفحات - عادة ما يكونون أذكياء جدًّا وجذابين ومحبوبين، تسيطر عليهم هذه الأسئلة إنهم أفضل بكثيرٍ في العطاء من الأخذ، ويميلون إلى حراسة سر خوائهم بعناية شديدة، وبالتالي من الصعب للغاية أن يلاحظ أيُّ شخص ما يفتقدونه. لا يلاحظ سوى أقرب أشخاص في حياتهم بشكل ضئيل للغاية".
معاناة قاسية غير ملموسة يعيشها الكثيرون قد تقودهم إلى حياة ينقصها البهجة وتفسد علاقاتهم العاطفية، وأحيانًا تقودهم إلى ما هو أسوأ، كما حدث مع نجم "فريندز" الراحل ماثيو بيري، الذي يكشف كتاب مذكراته "أصدقاء وعشاق والسر الرهيب" كيف قاده الحرمان العاطفي في الطفولة ومواجهة الحياة كـ"قاصر بلا مرافق" إلى الإدمان وخسارة أي فرصة لعلاقة عاطفية مستقرة ومعاناة حياة بائسة رغم كل النجاح والثراء الذي حصل عليه.
أتذكر ذلك وأفكر، في الأغلب كثير ممن تنطبق عليهم عبارة "ما اتحضنش وهو صغير" لا يكونون مزعجين للمحيطين بهم بقدر ما يعانون هم بشكل شخصي ويتألمون في مواجهة الحياة ولا يعرفون أن ما افتقدوه رغم بساطته كان مهما جدا، ولا يعرفون أنه ما يؤثر لهذه الدرجة عليهم. ورغم أنهم لن يكون بإمكانهم العودة بالزمن للوراء للحصول على ما فقدوه، إلا أن بإمكانهم دائما البحث عن طريقة للتعافي ليكسروا الدائرة ويتعلمون كيف يمنحون ما افتقدوه، وكيف يحصلون على التعويض بالطريقة الصحيحة ويتوقفون عن محاولة السير بلا وقود!
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة