كانت فترة الإخوان امتحانا صعبا لمصر، فيما يخص فكرة الدولة ووجودها، وفيما يتصل بالبيئة الاجتماعية وتماسك المصريين كعادتهم؛ إذ لعبت الجماعة على وتر الفتنة والتشدد وتقسيم المجتمع فئويا وعقائديا، وعندما ثار عليها المصريون جاهرت بالعداوة وأضرمت النار فى عشرات الكنائس.
ومنذ اللحظة الأولى بدا أن مصر فى خطر، واصطف المصريون جميعا فى مسار نضالى انتهى إلى ثورة 30 يونيو، ورغم المخاطر والتحديات كان الأقباط فى قلب الصف الوطنى، وتحملوا الخطاب الوقح من المتطرفين، الذى تطور إلى ممارسات عدائية وإجرامية لاحقا، ولم يخذلوا الوطن أو يتركوه وحيدا فى محنته، لنقف اليوم على ماضٍ يبعث الفخر بمواقف الكنائس المصرية، ولا ينفصل عن تاريخها الوطنى الناصع فى كل المراحل والأزمات.
البابا و30 يونيو
ويؤكد البابا تواضروس دائما على قدسية الوطن، وتحفل الذاكرة بعديد من مواقفه الوطنية، وتأكيده لضرورة الدفاع عن مصر وبث العزيمة فى أرواح الشباب، وهى مفردات حاضرة دوما فى عظاته، وفى أحاديث وعظات الآباء.
وذكر البابا فى لقاءات تليفزيونية، أنه زار الرئيس السابق محمد مرسى قبل ثورة 30 يونيو بـ12 يوما فقط، وكان بصحبة شيخ الأزهر الإمام أحمد الطيب، وشعر وقتها بأنه لا يدرى بما يحدث فى الشارع.
وشهدت عشرات الكنائس والمنشآت المسيحية اعتداءات صارخة من أعضاء الإخوان، عقب فض اعتصامى رابعة والنهضة الإرهابيين، وكان الوضع ملتهبا بسبب تلك الجرائم، فخرج البابا بأول تصريح رسمى أظهر معدن الرجل وحكمته، إذ قال: «وطن بلا كنائس خير من كنائس بلا وطن».
وعن فترة إحراق الكنائس، قال البابا فى أحاديث إعلامية، إنها من الأيام المحفورة فى التاريخ، وكانت خطرا وجوديا يستهدف تدمير المجتمع، متابعا: «كنت لسه بطريرك جديد وما كملتش سنة، والأخبار والتليفونات كل شوية إلحق كنيسة فى الحتة الفلانية، والجو العام كان متوتر والكلمة اللى هتتقال هتمس سلامة المجتمع، واحنا كمصريين دُور العبادة غالية وليها مكانة فى قلوبنا، فلما يتحرق العدد الكبير ده أى حد هيتأثر، فكان لازم أوجّه رسالة إن الوطن أهم من الكنيسة، وكان المثل قدامى سوريا وهى بتمُر بظروف صعبة، وحدث حرق وهدر كتير، والوطن نفسه راح».
وأوضح البابا أن أول ما خطر على باله، أن يؤكد فكرة الوجود المشترك، وأنه لو احترقت الكنائس فإنه يثق فى أن الإخوة المسلمين سيفتحون جوامعهم لنا، ولو حُرقت الجوامع سنصلى معا فى الشارع، والهدف أن الوحدة قائمة ولا أحد سيمس بها، لذا فإن وطن بلا كنائس أفضل من كنائس بلا وطن، ومن يرتكب جريمة فتنة إنما يستهدف المصريين جميعا، لا المسيحيين فقط.
ولفت البابا إلى أن الاعتداء على الكاتدرائية فى أبريل 2013 لم يحدث من قبل فى التاريخ، وقتها كان يجلس فى كنيسة «مارى مينا» ويتلقى اتصالات عن حرائق الكنائس، وقال فى لقاء بالقناة الفضائية المصرية: «كل المصريين كانوا حاطين إيديهم على قلوبهم، وبمرور الوقت اتضح إن دى مش مصر، وإن البلد بتتسرق وبيغيروها للأسوأ.
الإنجيلية والهوية
ولم يختلف موقف الطائفة الإنجيلية، إذا كانت فترة الإخوان اختبارا صعبا للهوية والسلم الأهلى وتماسك المجتمع، وفى مداخلة هاتفية مع الإعلامية لميس الحديدى 2013، قال القس أندريه زكى، إنه شارك مع عدد من مؤسسات المجتمع المدنى فى لقاء جون كيرى، ولخص الحضور له ما حدث فى مصر، وأكدوا أهمية ألا يقع الانقسام، كما شددوا على أن غالبية المصريين تؤيد ثورة 30 يونيو وخارطة الطريق، وعلى الحكومة الأمريكية تشجيع مصر ومساندتها، فى مواجهة كل مظاهر العنف والإرهاب وتهديد الهوية الوطنية.