لا يوجد أفق للحرب التى يشنها الاحتلال الإسرائيلى على غزة، وفى الوقت نفسه تتزايد احتمالات الانقسامات داخل الحكومة الإسرائيلية، خاصة فى أعقاب اتخاذ قرار من داخل هيئة الأركان بهدنة تكتيكية بجنوب غزة لإدخال المساعدات، رفضها نتنياهو واعتبرها تجاوزا للقرار السياسى، ورد جيش الاحتلال بأن قرار الوقف التكتيكى المؤقت للنشاط العسكرى فى جنوب غزة لا يحتاج موافقة الحكومة، ووزير الدفاع هو المنوط باتخاذ أى قرار يتعلق بالوقف التكتيكى للعمليات العسكرية.
وبالفعل واصلت طائرات الاحتلال ومدفعيته غاراتها وقصفها العنيف على غزة، وأعلنت وزارة الصحة الفلسطينية أن الاحتلال الإسرائيلى ارتكب 3 مجازر ضد العائلات فى قطاع غزة راح ضحيتها 25 شهيدا و80 مصابا خلال يوم واحد، مشيرة إلى أن عدد ضحايا العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة وصل إلى 37372 شهيدا و85452 مصابا منذ 7 أكتوبر، وذلك حتى ظهر أمس الثلاثاء.
وفى نفس الوقت أصدر بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلى، قرارا بحل حكومة الحرب، ضمن خطوة يرى محللون أنها لتعزيز نفوذه فى الحرب، فضلا عن أن هذه الخطوة تشير إلى أن نتنياهو مستمر فى الحرب بعيدا عن مطالب وخطابات الرئيس الأمريكى جو بايدن بإنهاء الحرب فى غزة التى انتزعت الكثير من صورة الولايات المتحدة، بل وصنعت حالة من العداء لإسرائيل حتى داخل الدول التى عرفت بدعمها لإسرائيل، وهو أمر لا يبدو أنه يثير قلق نتنياهو الذى يبدو بالفعل راغبا فى استمرار الحرب بلا توقف، بينما يتزايد حجم وشكل المعارضة للحرب أو توسيعها.
قرار حل حكومة الحرب أصدره نتنياهو بعد أيام من انسحاب منافسه السياسى الرئيسى بينى جانتس، من حكومة الحرب المكونة من ثلاثة أعضاء، وكان جانتس الجنرال المتقاعد وعضو الكنيست، يبدو أكثر معارضة لتوسيع الحرب، ومن هنا فإن قرار نتنياهو يتجه إلى توسيع الحرب والصدام بحثا عن انتصار لم يتحقق فيما يتعلق بهزيمة حماس أو استعادة المحتجزين.
ومع حل حكومة الحرب تتم الموافقة على سياسات الحرب المهمة فقط من خلال مجلس الوزراء الأمنى لنتنياهو، والذى يهيمن عليه المتشددون الذين يعارضون أى وقف لإطلاق النار، ويرفضون دعاوى الولايات المتحدة والرئيس جو بايدن، خاصة أن نتنياهو نفسه لم يظهر حماسا لوقف إطلاق النار ويريد إطالة الحرب، ويبتعد عن أى مطالب معتدلة، أو دعاوى لوقف حرب لا تبدو فى صالح إسرائيل، حيث يواجه الاحتلال بالرغم من تسلحه عمليات نوعية من المقاومة، نجحت فى قتل 19 جنديا وضابطا إسرائيليا منذ بداية يونيو غالبيتهم فى العمليات العسكرية الإسرائيلية فى رفح الفلسطينية جنوبى قطاع غزة، منهم 7 جنود احترقوا داخل عربة مدرعة، وهو ما يعنى فشل نتنياهو فى تنفيذ وعوده وأهدافه، وأن إطالة أمد الحرب قد لا تعنى تحقيق انتصارات، ونفس الأمر فى ملف المحتجزين الذين فشل الاحتلال فى تحريرهم بالحرب باستثناء ثلاثة تم إطلاقهم فى عملية شهدت تكثيفا دعائيا.
كل المؤشرات تدفع للاعتقاد بأن نتنياهو هدفه البقاء فى السلطة وتفويت الفرصة على معارضيه لمحاكمته أو محاسبته، والتحقيق فى إخفاقات الحكومة فى التصدى لهجمات 7 أكتوبر، خاصة بعد ما أعلن مؤخرا منسوبا إلى هيئة البث الإسرائيلية عن وجود وثيقة تؤكد أن الجيش والمخابرات كانا على علم بخطة حماس قبل 3 أسابيع من هجوم أكتوبر، وما تضمنته من اختطاف ما بين 200 إلى 250 رهينة.
وإن صحت هذه التفاصيل فهى تضاعف من كشف إخفاق وفشل كبير فى حكومة نتنياهو وأجهزته الأمنية، وتضاعف من احتمالات محاكمة المسؤولين ومنهم نتنياهو، مع تصاعد التحذيرات من توسيع الصراع فى شمال إسرائيل وفتح جبهة بجنوب لبنان، حيث حذر لواء الاحتياط فى جيش الاحتلال الإسرائيلى إسحاق بريك، أن أى قرار من نتنياهو لمهاجمة حزب الله سيجلب محرقة على إسرائيل، مشيرا إلى أن الحرب فى غزة فقدت غايتها وهى مستمرة فقط من أجل مصلحة رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو، لافتا إلى أن ما يجرى فى رفح الفلسطينية عار على إسرائيل، لأن الجيش لا يقاتل حماس بشكل فعلى، بل تفخخ الفصائل الطرقات ويُقتل الإسرائيليون.
كل هذه التفاصيل والانقسامات تضاعف من أزمة نتنياهو وحكومته والمتطرفين فى حكومته، فى حال استمرت الحرب على غزة بلا أفق، أو توسيع جبهة الشمال.