الأساطير فى الشرق جزء من طريقة التكفير فى المنطقة، كما أنها كانت طريقة لفهم العالم، ومن هذه الأساطير تفاصيل قصة النبى سليمان وبلقيس، والتى جمعها كرم البستانى تحت عنوان "سليمان وبلقيس":
حدثتنا توابع الجن قالت: كان فى العهد القديم على بنى إسرائيل ملك يقال له داود، عالى المكان فى الأرض وعند الرب إلهه، مبسوط السلطان، وكان له ولد يقال له سليمان جمع إلى الذكاء والفطنة والحكمة حسن الشمائل وجمال الصورة، فكان يفضِّله على سائر إخوته مع أنه كان أصغرهم سنًّا. وذات يوم شعر داود بأن شمس حياته آذنت بالمغيب، فاستدعى إليه سليمان وقال له: يا بني، إن أيامى على الأرض صارت قليلة، وإنى لأحسُّ بأن موتى قريب، وقد استدعيتك لأستخلفك من بعدى على مملكة إسرائيل؛ لأنى وجدتك أهلًا لذلك، فقبَّل سليمان يدَى أبيه ورأسه وبكى حزنًا لدنوِّ أجل والده، ثم انصرف وكتم أمره، وتزوج امرأة واستتر عن الناس، وأقبل على العبادة والعلم، ورأت امرأته قعوده عن الكدح فى سبيل العيش، فقالت له فى أحد الأيام: بأبى أنت وأمى ما أكمل خصالك وأطيب رائحتك. ولا أعلم لك خصلة أكرهها إلا أنك فى مئونة أبي، فلو دخلت السوق فتعرضتَ لرزق الله لرجوت ألَّا يخيِّبك الله. فقال سليمان: إنى ما عملت عملًا منذ كنت ولا أحسنه، ثم دخل السوق صبيحة يوم فلم يقدر على شيء، فرجع وأخبرها فقالت: غدًا يكون إن شاء الله. فلما كان اليوم الثانى مضى سليمان حتى انتهى إلى ساحل البحر، فإذا هو بصياد يلقى شبكته، فقال له سليمان: هل لك أن أعينك وتعطينى شيئًا؟ قال: نعم. فأعانه، فلما فرغ أعطاه سمكتَين، فأخذهما وحمد الله تعالى، وشق بطن إحداهما، فإذا هو بخاتم فى بطنها فأخرجه ولبسه فى أصبعه، فعكفت عليه الطير والريح، وخضعت له الجن والشياطين والعفاريت، ووقع عليه بهاء الملك وسناه.
ولم يلبث داود الملك أن مات، فقام سليمان مقامه فى مملكة إسرائيل، وساس الرعية بالعدل، ورأى سليمان فى نفسه حاجة إلى ما يوقع هيبته فى نفوس مرتكبى الإثم، فأمر الجن بأن يتخذوا له كرسيًّا ليجلس عليه للقضاء، وأن يصنعوه بديعًا مهيبًا بحيث لو رآه مُبطل أو شاهدُ زور ارتعد من هيبته، وكان بين الجن رجلٌ صِناع يقال له صخر. اشتُهر ببراعته ودقة صنعته، فصنع لسليمان كرسيًّا من أنياب الفيل، وزيَّنه باليواقيت واللؤلؤ والزبَرجد، وحفَّه بأربع نخلات من ذهب شماريخها الياقوتُ الأحمر والزبرجد الأخضر، وعلى رأس نخلتَين منها طاوسان من ذهب، وعلى الأخريين نسران من ذهب، وجعل بين جنبَى الكرسى فى أسفله أسدَين من ذهب، وعلى رأس كل واحد منهما عمودًا من الزبَرجد الأخضر، وعقد على النخلات دوالى من الذهب الأحمر، فإذا أراد سليمان أن يصعد بسط الأسدان له ذراعَيهما، وإذا وضع رجله على الدرجة السفلى يستدير الكرسى بما فيه دوران الرحى، وينشر النسران والطاوسان أجنحتها، ويبسط الأسدان ذراعَيهما، ويضربان الأرض بذنبيهما، وكذا يفعلان فى كل درجة يصعدها، فإذا استوى فى أعلى الكرسى أخذ النسران تاجه فوضعاه على رأسه، وإذا قعد أظله النسران بأجنحتهما ثم يستدير الكرسى بما فيه النسران والأسدان، وينضح الطاوسان على رأسه المسك والعنبر، فيتناول سليمان حمامة من الذهب فيها التوراة، فيقرأها على الناس، ويقضى فيهم بحسب ما ترسمه.
ولم يكن الإنس وحدهم يحتكمون إلى سليمان، وإنما كان يحتكم إليه الجان فيقضى بينهم، ويحتكم إليه الطير والوحوش والبهائم، وقد آتاه الله فهم منطقها، فيقضى بينها بالحق، وكان يفسر كل صوت سمعه من أصوات الطير: فالقمرى يقول فى تغريده: سبحان ربى الأعلى الوهاب. ويقول النسر: يا ابن آدم، عش ما شئت آخرك الموت. ورُوى أنه سمع فاختة تصيح، فأخبر أنها تقول: ليت الخلق لم يخلقوا. وأنه مر ببلبل يصوِّت ويترقَّص فقال: يقول: إذا أنا أكلت نصف ثمرة فعلى الدنيا العفاء.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة