تمر، اليوم، ذكرى رحيل الشيخ محمد صديق المنشاوى الذى توفى فى 20 يونيو من سنة 1969، ولم يقض الشيخ المنشاوى فى هذه الحياة غير 49 عاما فقط، لكنها كانت كافية لتخليد اسمه فى عالم قراء القرآن الكريم.
يقول كتاب ألحان من السماء لـ صلاح الدين عبد الغني:
الشيخ الراحل محمد صديق المنشاوي، هو نجل الشيخ صديق المنشاوي، وشقيق محمود صديق المنشاوي، ويعد الشيخ محمد أكثرهم شهرة على الإطلاق، وأفضل من أنجبته عائلة المنشاوى القرآنية، وأكثرهم عطاء فى دولة التلاوة، وأعمقهم تأثيرا فى المستمعين انطلق صوته لأول مرة عبر الأثير من إحدى قرى إسنا بمحافظة قنا، عندما كان يشارك والده الشيخ صديق المنشاوى فى إحياء ليلة قرآنية، وعلى امتداد رحلته القرآنية، حظى بتكريم العديد من الدول العربية والإسلامية وبعد مصحفه المرتل أعظم مصحف فى تاريخ دولة التلاوة على الإطلاق.
والشيخ محمد صديق المنشاوي.. واحد من أبرز قراء القرآن الكريم الذين جمعوا فى تلاوتهم بين الالتزام بأصول التلاوة الشرعية وبين القدرة على الخلق والإبداع فى الأداء، وهو من أهل الصفوة فى سجل قراءة القرآن الزاخر بعشرات الأصوات التى تلته ورتلت وأسهمت فى حفظه وتفسيره.
ويعد المنشاوى الابن أحد عباقرة الجيل الثانى من القراء المرموقين إلى جانب القارئ الشيخ أبو العينين شعيشع والقارئ كامل يوسف البهتيمي، والقارئ مصطفى إسماعيل والشيخ محمود البنا والشيخ عبد الباسط عبد الصمد والشيخ محمود عبد الحكم وغيرهم.
ولد الشيخ محمد ونشأ فى أسرة وهبت أبناءها للقرآن بداية من الوالد الشيخ الصديق المنشاوى ونهاية بشقيقه الأصغر محمود صديق المنشاوي، وما بينهما عمه الشيخ "أحمد ثابت"، وكان القارئ الأول الذى تنتقل إليه الإذاعة لتسجل صوته بدلا من أن يذهب هو طالبا التسجيل.. فانطلق صوته لأول مرة عبر الأثير من إحدى قرى إسنا بمحافظة قنا عندما كان يشارك والده الشيخ صديق المنشاوي، فى إحياء ليلة قرآنية.. وهناك قرأ أمام الجمهور قراءة ملائكية بصوت عذب رحيم نافس والده الذى لامس به عنان السماء من فرط فخره و اعتزازه بولده الفذ.. وفى تلك الليلة نال إعجاب الجماهير العريضة التى جاءت لتتمتع بصوت الوالد، فشاركه الولد الإعجاب والانبهار بفضل ما آتاه الله من القوة والجمال والعذوبة، إضافة إلى تعدد مقاماته وتجسيده العميق لمعانى القرآن الكريم، وكانت أشهر قراءاته تلك التى كان يقرأ فيها بمولد "أبى الحجاج الأقصر " فى نفس التوقيت الذى كان يقرأ فيه الشيخ عبد الباسط عبد الصمد" ومن هذه المناسبات ذاع صيت الشيخ "المنشاوي" شرقا وغربا وأصبح فى الصفوف الأولى بين كوكبة لقراء.
وسام الاستحقاق
امتدت حياة الشيخ محمد صديق المنشاوى 49 عاما .. حيث حفظ القرآن فى كتاب القرية فى سن مبكرة على يد الشيخ محمد النمكي، بعد أن بدأ حفظه على يد والده الشيخ صديق المنشاوي، وحفظ الشيخ الصغير القرآن كاملا قبل أن يبلغ الحادية عشرة من عمره، وقبل أن يرسله والده الشيخ صديق المنشاوي لكى يدرس أحكام التلاوة على يد الشيخين محمد سعودي و محمد أبو العلا، وبعدها حرص محمد صديق المنشاوي على مرافقة والده وعمه فى رحلاتهما لإحياء ليالى الذكر الحكيم فى بلدته وخارجها قبل أن يعتمد فى الإذاعة المصرية عام 1953، وسجل له ما يزيد على مائة وخمسين تسجيلا مفعما بالمعانى والأحاسيس القرآنية الرائعة.
وكان طبيعيا أن يحظى الشيخ بتكريم الدول الإسلامية العربية مثل إندونيسيا التى منحته وساما رفيعا فى منتصف الخمسينات، وسوريا التى منحته وسام الاستحقاق من الدرجة الثانية فى منتصف الستينات، بينما أطلق اسمه فى مصر على أحد شوارع محافظة الجيزة، وكرمته مصر بوسام الاستحقاق من الطبقة الأولى أثناء الاحتفال بليلة القدر عام 1992.
أبناء دولة التلاوة
ويعد الشيخ محمد صديق المنشاوي أفضل من أنجبته عائلة "المنشاوي" القرآنية من أبناء وأكثرهم عطاء فى دولة التلاوة وأعمقهم تأثيرا فى المستمعين فقد تفوق على المعلم والأب صديق المنشاوي بقدر ما تفوق بمراحل على الشقيق محمود صديق المنشاوي وكان الشيخ "محمد" أول قارئ فى تاريخ الإذاعة المصرية يتم الإجماع على اعتماده قبل تقدمه لاختباراتها بعد أن ذاع صيته، وبلغت شهرته صعيد مصر فى مطلع الأربعينيات من القرن الماضي، ثم تقرر اعتماده على الفور، وأجمع كبار القراء وشيوخ معلمى القراءات أن المصحف المرتل للشيخ محمد صديق المنشاوي" يعد أعظم مصحف فى تاريخ دولة التلاوة على الإطلاق، وأشادوا أيضا بمصحفه المجود وقراءته فى القدس التى اعتبروها درة التلاوة.
وكانت النهاية للشيخ محمد صديق المنشاوي فى عام 1969 عندما أصيب بدوالى المريء ورغم عمره القصير إلا أنه استطاع أن يحقق لنفسه مكانة مرموقة بين كبار القراء الذين تفخر بهم مصر والعالم الإسلامى على الإطلاق.