على مدار عام تقريبا كنت على موعد مع عدة مشروعات لها علاقة بتاريخ مصر الحديث، لاحظت فيها مجموعة من الأسماء التي كان لها إسهام كبير على المستوى الثقافي والمعرفي عموما من الرجال والنساء في مصر في القرنين التاسع عشر والعشرين، كانت لهذه الأسماء إنجازات حقيقية ليس فقط على المستوى المحلي بل على مستوى العالم في كثير من الأحيان.
من هؤلاء مثلا محمود باشا الفلكي العالم الذي كلفته جمعيات الفلك العالمية برصد كسوف الشمس الذي حدث في عام 1860، وهو نفسه أول من اقترح حساب أوائل الشهور القمرية فلكيا، ومن هؤلاء الدكتور نجيب محفوظ أحد رواد طب النساء والولادة في العالم وصاحب جراحة باسمه للناسور المهبلي وهي الجراحة التي كانت رائدة في عشرينيات القرن العشرين لدرجة حضور الجراحين الأوربيين خصيصا من أوربا لحضورها معه والتعلم من خبرته فيها.
ومن هذه الأسماء الطيارة لطفية النادي ثاني امرأة تقود طائرة بصورة منفردة على مستوى العالم، والسفيرة عزيزة دحروج أول عربية تشارك في لجان الأمم المتحدة، وهي أول من طرح فكرة تنظيم الأسرة في الستينيات ونجحت في إدراجها على برنامج أعمال الأمم المتحدة، وهي من أنشأت الاتحاد العالمي لتنظيم الأسرة وأول رئيس له في أواخر السبعينيات.
يمكن لنا أن نحصر مئات الأسماء التي كان لها إسهامات فريدة على المستوى الوطني والعالمي، إسهامات كان لها أثرها الكبير في سير الحضارة الحديثة عموما وهي قائمة من الأسماء لا تنتهي.
الغريب في الأمر هو أن معظم هذه الأسماء غير معروف بالنسبة إلى كثير من المثقفين والمهتمين، وأن معظمهم لا يعرفه سوى أبناء التخصص، وهو الأمر الذي يثير التساؤل الآن: لماذا لا نعرف إنجازاتنا وأسماء علمائنا وأعلامنا؟ هل الأمر مقصود أم أن كل هذه الأسماء قد سقطت سهوا؟ لماذا تهتم وزارة التربية والتعليم بالتاريخ السياسي فقط على الرغم من أن التاريخ الحضاري المكون من هذه الأسماء وإنجازاتها يحفل بالكثير الذي تبدو أهميته الآن واضحة في بناء هوية وطنية خاصة لأبنائنا، هوية واضحة المعالم قادرة على البقاء والنمو.
ثم في النهاية هل يمكن أن أحلم بمشروع قومي يركز على منجزات هؤلاء العظماء وتعريف الأجيال الجديدة بها ربما نجد فيهم من يكمل مسيرة أحدهم، وربما يكون لك توطئة لبناء ثقة قد نجدها مفتقدة الآن لهذه الأجيال، إن مثل هذا المشروع يجب أن يقوم على التعاون الكامل بين مجموعة جهات فالمؤسسة الثقافية تعمل على جمع المواد وتنظيمها وتحريرها على أن يتم ترويجها – في صورة مقررات أو أنشطة– في المؤسسة التعليمية والشبابية والإعلامية، وعلى أن يتم نسبة كل اسم إلى إقليمه الجغرافي الخاص، ليعرف أبناء كل قرية أسماء عظمائهم وإسهاماتهم.
مثل هذا المشروع يمكنه أن يكون بمثابة تثبيت الجذور على مستوى بعيد، وبدلا من مجرد الانبهار بما فعله الغرب على مستوى تلك العلوم والفنون سيكون لأبنائنا الحق في الفجر بأن لأبناء وطنهم دور كبير في بناء الحضارة الحديثة، دور يعرفه العالم كله ونحن نجهله عن غير قصد أو بتعمد غريب.