تحل، اليوم، الذكرى الثانية والتسعين لرحيل شاعر النيل حافظ إبراهيم الذى رحل عن عالمنا في 12 يونيو من عام 1932، حيث ولد في الرابع والعشرين من فبراير عام 1872 ميلادية.
وُلِد حافظ إبراهيم سنة 1872 من أب مصري وأم من أسرة تركية، كان أبوه إبراهيم أفندي فهمي مهندسًا يُشرِف على قناطر ديروط حيث وُلِد حافظ، وتُوفِّي وحافظ في الرابعة من عمره، فكفله خاله محمد أفندي نيازي، وعاش في كنفه عيشة الطبقات المتوسطة التي كانت أقرب إلى الضيق منها إلى اليسار، فأحس حافظ منذ صباه بما تُعانيه الطبقات الشعبية من جهد ورقة حال، ولما ظهرت مواهبه الشعرية كان الترجمان الصادق الأمين لهذه الطبقات.
تلقى التعليم الابتدائي وجزءًا من التعليم الثانوي، ولكنه لم يُتِمه، وانتقل مع خاله إلى طنطا، وكان مهندس تنظيم بها، وانقطع حافظ وقتًا عن متابعة التعليم، واتجهت نفسه إلى الأدب والشعر.
ووفقا لكتاب عبد الرحمن الرافعى شعراء الوطنية فقد اشتغل حافظ إبراهيم وقتًا وجيزًا بالمحاماة بطنطا، ولكنه لم يستمر فيها؛ إذ لم يجد من نفسه ميلًا إليها لما كانت تقتضيه من دأب على العمل المتواصل وهو لم يكن يميل إلى التقيد بمثل هذا الدأب بل كان كالطير ينطلق مُغرِّدًا بين مختلف الأشجار والأغصان.
فكَّر في أن يكون ضابطًا بالجيش؛ إذ كانت الحياة العسكرية مما يستثير في نفسه روح الشعر والخيال، أو لعله أراد أن يُقلِّد البارودي في نشأته العسكرية، فالتحق بالمدرسة الحربية بالقاهرة، وتخرَّج منها سنة 1891 ضابطًا برتبة ملازم ثانٍ، وكان إذ ذاك في سن العشرين تقريبًا، وانتظم في حملة السودان بقيادة اللورد كتشنر سردار الجيش المصري وقتئذٍ، ولما انتهت الحملة بانفراد الإنجليز بحكم السودان عافت نفسه البقاء في ربوعه، فالتمس إحالته إلى المعاش، وأُجيبَ طلبه وعاد إلى مصر، وغشي مجالس الشعراء والأدباء والعلماء، وأفاض فيها من شعره وأدبه، فتألَّقَت شاعريته، وعرف له معاصروه فضله ومكانته في عالم الأدب والشعر، وإذ كان الشعر لا يُدِر عليه ما يحفظ مكانته من الوجهة المادية فقد عيَّنه أحمد حشمت وزير المعارف في سنة 1911 رئيسًا للقسم الأدبي في دار الكتب المصرية، وظل بها إلى فبراير سنة 1932 إذ أُحيلَ إلى المعاش لبلوغه السن القانونية، وتُوفِّي يوم 21 يوليو سنة 1932.
كان حافظ شاعرًا بطبعه، ظهرت مواهبه الشعرية وهو في السادسة عشرة من عمره، لم يتلقَّها عن مُعلِّم أو أديب، ولا تعلَّمها في المدارس التي انتظم بها، بل كانت وحي الإلهام والسليقة، فكان يقول الشعر وهو في هذه السن المُبكِّرة، ويأخذ نفسه بالمطالعات الشعرية ويحفظ قصائد فحول الشعراء المُتقدِّمين، واشتدت به الرغبة إلى محاكاتهم في جيد الشعر، فواتته سليقته الشعرية وساعدته على تحقيق رغبته، وبذَّ مع الزمن أولئك الشعراء، وبلغ الذروة في عالم الشعر والأدب.
أضفَت الوطنية على شعر حافظ هالة من العظمة والمجد؛ فقد كان بلا مراء خير ترجمان للشعب في أحاسيسه وآماله، وخير مُواسٍ له في مآسيه وآلامه، وتغنى بمصر والنيل في قصائده الغُر، ولعل بقاءه في السودان عدة سنين، ومشاهدته غدر الإنجليز هناك، وتدابيرهم في تحقيق أغراضهم الاستعمارية، قد زاده سخطًا على الاستعمار واستمساكًا بوحدة وادي النيل، وتجلَّت هذه المواهب في شعره في شتى المناسبات حتى سُمِّي بحق «شاعر النيل»، وهو إلى جانب ذلك شاعر الوطنية والاجتماع والأخلاق، كان لا يفتأ يدعو قومه إلى التمسك بالأخلاق في جهادهم للحرية؛ إذ يرى الأخلاق قوام الجهاد الصحيح، وبلغت دعوته إلى الأخلاق حد التقريع في مخاطبته لبني وطنه ومجابهتهم بالحق الصريح.
وحافظ وإن كانت ثقافته شرقية إلا أنه قد تعلَّم الفرنسية على كِبَر، واقتبس من الآداب الفرنسية ما استطاع أن يقتبسه، وساعده ذكاؤه وألمعيته على محاكاة الشعر الغربي أحيانًا، وكان يميل إلى التجديد في شعره.
ولقد نجح حافظ في أن يرتفع بشعره في كثير من المواطن إلى التجديد واقتباس المعاني والأفكار والأساليب الحديثة، فزاد شعره طلاوة ورنينًا موسيقيًّا حبَّباه إلى النفوس وجعلا بعض قصائده أشبه بالأغاني والتغاريد.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة