عادل السنهورى

ذكريات مصرية جديدة لعاشق مصر سلطان القاسمي

الثلاثاء، 25 يونيو 2024 03:38 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

لا يتوقف الشيخ الدكتور سلطان القاسمى حاكم الشارقة عن فيض العشق المتدفق لمصر منذ أن كان طالبا بها عام 1965 فى كلية الزراعة بجامعة القاهرة، ولمدة 7 سنوات.

ومنذ تلك الفترة وبدافع الوفاء والعرفان لمصر يتوهج الدكتور سلطان القاسمى كلما جاءت سيرة مصر التى احتضنته واحتوته وعاش فيها أجمل أيامه وأيامها التاريخية، وفرح بانتصاراتها وحزن لانكساراتها.. وظل عاشقا ومحبا ووفيا لها ولشعبها الذى عرفه وعاش معه فى شوارع وحوارى الجيزة والقاهرة.. حتى بعد أن تولى مقاليد الحكم فى امارة الشارقة.


منذ 15 عاما تقريبا أصدر الدكتور سلطان القاسمى كتاب "سرد الذات"، وهو سيرة ذاتية وإطلالة خاصة على حياة حاكم الشارقة والأحداث التاريخية الكبيرة التى شهدتها المنطقة من الأربعينيات وحتى السبعينيات من القرن الماضى، وكان لمصر فيها نصيب وافر.


ومؤخرا صدر عن منشورات القاسمى كتاب جديد بعنوان "ذكريات مصرية،" وهو الإصدار التسعون للدكتور سلطان ضمن سلسلة مؤلفاته فى مختلف حقول المعرفة، التاريخ والتحقيق والسيرة والأدب والمسرح.


غلاف الكتاب، الذى يقع فى 82 صفحة من القطع المتوسط، عبارة عن صورة كبيرة لجامعة القاهرة وبرج الساعة الشهير والقبة العريقة التى تشبه كأس أسطورية مقلوبة يغطى قاعة الاحتفالات الكبرى- قاعة ناصر- ومكتب رئيس الجامعة منذ أحمد لطفى السيد أول رئيس لجامعة القاهرة.


ربما يراود البعض سؤال قديم يسكن دائما فى العيون قبل أن تنطق به الألسنة وهو "لماذا كل هذا الحب والوفاء الممتد من الستينيات وحتى الآن من الشيخ سلطان القاسمى لمعشوقته مصر ".. والإجابة تأتى دائما على لسان الدكتور سلطان وفى كل مناسبة ويذكرها فى كتابه الأخير "ذكريات مصرية" بالقول: "للمصريين على دين، لهم يد سـلفت ودين مسـتحق"
فى مقدمة الكتاب يقول الدكتور سلطان القاسمى: كنت مطالَبًا من قِبل أصدقائى فى مصر، أن أكتب عن ذكرياتى فى مصر، فاخترت ما تشبعت به النفْس وقُواها الباطنة، ألا وهو الوجدان، لأصوغه فى ذكريات مصرية.


الكتاب عبارة عن مجموعة من الأحداث ذات الصلة بمصر وأهلها، تضم ذكريات عزيزة، ويروى فيها الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمى أحداثًا عاشها ومواقف عايشها بمداد من الوفاء ومن ذاكرة القلم، وفاءً بحق مصر عليه، وإبرازًا لمكانتها لديه، وقد رواها بأسلوب سردى فذ، تخالطه المشاعر والعواطف الصادقة.


من بين هذه الذكريات يكشف الشيخ سلطان أنه عمل- قبل مجيئه للدراسة فى مصر- مراسلا صحفيا سريا لمجلة آخر ساعة عام 1957 عندما كان لاعبا فى فريق كرة القدم التابع للقاعدة البريطانية فى الشارقة – وكانت فى ذلك الوقت إحدى الإمارات المتصالحة، كما كان يطلق عليها الاستعمار البريطانى فى منطقة الخليج.


كان الشيخ سلطان العربى الوحيد غير العامل فى القاعدة البريطانية. فى تلك الأثناء يلتقى الصحفى المصرى المعروف الراحل جميل عارف – وكان يعمل بمجلة آخر ساعة التابعة لدار أخبار اليوم- وكان قادما من الكويت فى طريقه إلى الهند عبر مطار الشارقة، فأراد أن يعرف معلومات عن القاعدة البريطانية الموجودة فى الإمارة بجنودها وضباطها وطائراتها معداتها.


وكانت مغامرة كبيرة أن يصحبه الشيخ سلطان القاسمى من باب المستخدمين فى استراحة المطار بسيارته إلى داخل القاعدة البريطانية والتجول فيها، وأراد الأستاذ جميل التقاط صور للقاعدة فمنعه الشيخ سلطان حتى لا ينكشف أمره، ولكنه وعده بصفته مسموحا له بالدخول إلى القاعدة بأن يلتقط له صورا من القاعدة ويجمع له معلومات عنها ويرسلها له بالبريد.


فالوضع كان متوترا عقب قيام ثورة يوليو فى مصر وحرب السويس عام 1956 وانتشار فكرة القومية العربية لدى قطاع كبير من أهل الخليج وخاصة فى الشارقة ورأس الخيمة والبحرين والكويت مع تكريس زعامة جمال عبد الناصر فى المنطقة. وأجلى الانجليز 3 آلاف جندى من عدن إلى قاعدة الشارقة.
وحدث ما توقعه الشيخ سلطان.. وبعد مغادرة الصحفى المصرى إلى الهند بحث عنه الإنجليز واستدعوا سلطان القاسمى لسؤاله عنه وماذا فعل معه وأين ذهب.
اتفق الشيخ سلطان على إرسال الصور والمعلومات عبر البريد بشكل غير مباشر إلى القاهرة عبر الكويت بواسطة شخص آخر اسمه سيف بن عوقد، كانت مهمته جمع الرسائل من أهل الشارقة إلى الكويت وتوزيعها على أقاربهم هناك، وأحضر طوابع من الكويت لإرسال الخطابات التى تحوى معلومات مهمة عن القاعدة العسكرية البريطانية بالشارقة إلى مصر.


وبدأ فى مهمته كمراسل سرى لمجلة "آخر ساعة".


الشيخ سلطان كان يبلغ من العمر فى ذلك الوقت 18 عاما فهو من مواليد 2 يوليو 1939.


يحكى الشيخ سلطان سر إصراره بالالتحاق بكلية الزراعة بجامعة القاهرة أو بالإسكندرية أو عين شمس. فقد بدأ اهتمامه مبكرا بالزراعة من خلال مزرعة الصالحية التى اشتراها والده فى رأس الخيمة، خلال سنوات الحرب العالمية الثانية لزراعة القمح بالأمطار.


مع مرور السنوات تم إنشاء مركز زراعى فى منطقة الدقداقة برأس الخيمة عام 1962 لتطوير الزراعة ومساعدة المزارعين بواسطة مهندس إنجليزى.


ثم تزايد اهتمامه بالزراعة وطموحه فى إنشاء مزرعة للخضراوات فى الأرض التى يمتلكها والده فى الصالحية واستفاد كثيرا من الخبير الزراعى الإنجليزى.


جاء الشيخ سلطان إلى مصر فى زيارة لجامعة القاهرة وخاصة كلية الزراعة، فأعجب بما شاهده فى قاهرة الستينيات وقرر إكمال دراسته للالتحاق بكلية الزراعة جامعة القاهرة ليصبح مهندسا زراعيا، فأنهى دراسته الثانوية القسم العلمى فى دبى، وكانت آنذاك تابعة لوزارة التربية والتعليم بدولة الكويت عام 1965. وبعدها تم إبلاغه مع عدد آخر من الطلبة بقبولهم بالجامعات المصرية، وكانت المفاجأة انه الوحيد الذى تم قبوله بجامعة بغداد..
ثارت ثائرته وغضب وصرخ بأعلى صوته رافضا ترشيحه فى بغداد، وضرورة تحقيق طلبه وأمنيته ورغبته بالالتحاق بكلية الزراعة بالقاهرة أو عين شمس أو الإسكندرية.
وهنا لعب القدر دوره فذهب إلى وكيل وزارة التربية والتعليم ليفاجأ بأنه صديق قديم له ولعائلته، وأنقذه من مضايقات البعثيين وتهديدهم له فى الكويت فى بداية الستينيات. ووعده باسترجاع أوراقه من بغداد وإرسالها للقاهرة. ونجحت المهمة.


ومن حسن الحظ – أو لمحاسن الصدف كما أطلق عليها الشيخ سلطان فى كتابه- أن أحد الطلبة ترك كلية الزراعة للالتحاق بالكلية الحربية فى مصر، وحل محله الشيخ سلطان ليستمر القدر الجميل فى دوره.


يعود بنا الشيخ سلطان فى كتاب "ذكريات مصرية" إلى منتصف عام 1965 عندما كان طالبا بالسنة الدراسية الأولى فى كلية الزراعة، واصفا المكان والطلبة والطالبات فى تلك الفترة المفعمة بالتحولات والتغييرات الكبرى.. وتعرفه إلى مكتبة الأنجلو المصرية العريقة التى تأسست عام 1928 وصاحبها صبحى جريس والذى كان له الفضل فى فتح ينابيع المعرفة وأصول الثقافة أمام الطالب سلطان القاسمى.


6 سنوات فى القاهرة من عام 65 وحتى عام 1971 قضاها الشيخ سلطان طالبا ومتابعا ومراقبا ومشاركا فى كافة تفاصيل المجتمع المصرى داخل الجامعة وخارجها، ليرصد من خلالها التحولات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية التى شهدتها مصر والقاهرة بصفة خاصة، ويرصد ذلك من خلال أساتذة الجامعة الذين ينتمون لعصر الملك فاروق والآخرون الصاعدون مع عصر جمال عبد الناصر، والصراعات الفكرية الخفية بين الجيلين خلال المحاضرات.


لم يترك سلطان مكانا أو مكتبة ينهل منها العلوم والمعرفة بالقاهرة إلا وارتادها مرات ومرات.

كانت الاستفادة كبيرة داخل الكلية والجامعة وداخل المجتمع الثقافى المصرى لتحقيق مشروع سلطان القاسمى فى النهضة الزراعية والحيوانية فى بلاده، ومنها مشروع الألبان بالشارقة وتربية المواشى والأبقار بصورة علمية، وتجول بين الشارقة والقاهرة والهند للبحث عن أفضل الأساليب لتربية الأبقار وزيادة انتاجيتها من الألبان.

فى عام 1971 تسلم الشيخ سلطان إدارة مكتب سمو الحاكم بإمارة الشارقة. وبعد أيام من قيام اتحاد دولة الإمارات العربية المتحدة صباح يوم الثانى من ديسمبر عام 1971، وتحديداً فى اليوم التاسع من ديسمبر تم تشكيل مجلس الوزراء وتم تنصيب الشيخ سلطان القاسمى وزيراً للتربية والتعليم.


وفى يوم الخامس والعشرين من يناير 1972 تسلم صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمى مقاليد حكم إمارة الشارقة
لم تنقطع علاقة الشيخ سلطان بمصر أو بالمجمع العلمى وكلية الزراعة بعد تخرجه وعودته إلى الشارقة وبعد أن أصبح حاكما لها. علاقة خاصة جدا ربطت الدكتور سلطان بالمجمع العلمى، فقد كان من بين الأماكن التى نصحه صاحب مكتبة الأنجلو المصرية بالذهاب إليها بالقاهرة، للتعرف على الثقافة الفرنسية، فقد أنشا نابليون هذا المجمع فى نهاية القرن الثامن عشر. ومعظم كتبه قد جلبت إليه عن طريق المعهد الفرنسى فى باريس وتقدر بحوالى ستمائة ألف كتاب.


اهتمامه الخاص بالمجمع العلمى المصرى وانبهاره به دفعه إلى الحلم بانشاء مجمعا شبيها به أو بالمعهد الفرنسى بالقاهرة بإمارة الشارقة. فقد كانت تلك أمنيته بالفعل. وكان له ما تمنى.


فى باريس تعرف الشيخ سلطان على أصحاب محلات بيع الكتب القديمة فعثر فى أحد تلك المحلات على ثلاثة مجلدات تحت عنوان "المعهد المصري- فهرس قائمة الكتب 1859- 1927.


ومن ذلك الفهرس، بدأ فى جمع الكتب التى جاء ذكرها الفهرس واستطاع جمع عشـرة آلاف كتاب على مدى عدة سنوا ت، وأطلق عليه مجمع الشارقة العلمى "ثالثة الأثافي"- كما ذكر الشيخ فى الكتاب- والأثافى هى ثلاثـة أحجـار وضـع عليهـا القـدر، فلو أزيح أى حجر انقلب القدر".


ويحكى الشيخ سلطان القاسمى عن ذلك " اليوم الشؤم" الذى احترق فيه المجمع العلمى المصرى فى القاهرة مساء السبت السابع عشر من شهر ديسمبر عام 2011م، فيروي: وجدت نفسى أصـرخ مـن باريس.. "لا تجزعوا ولا تحزنوا فكل كتاب احترق فى المجمع لدى نسـخة مثله فى مكتبتي".


قال بعضهم : "يكذب".. وقال آخرون: "يبالغ"، وقيل: "يريد أن يهُدئ الناس". حتى إذا ما اكتمل إعادة بناء المجمع العلمى المصرى، والذى لم يستغرق إلا عدة أسابيع، تم شـحن كتب مجمع الشارقة العلمى، ثالثة الأثافى، وكانت محتوياته عشرة آلاف كتاب، تحت 7 آلاف و888 عنوانا، كمـا جاءت فى فهرس كتب المجمع العلمى المصرى فى القاهرة.


بعـض المسؤولين بالشارقة كانت لديهم رغبة فى وضع ختـم "دارة الدكتور سلطان القاسمي" على كل كتاب، فقلت: "حسنة وفيها سيئة، للمصريين على دين، لهم يد سـلفت ودين مسـتحق". وبعـد أن تـم شـحن الكتـب إلى القاهـرة،وتأكـدت بأنها وضعت على الأرفف فى المجمع العلمى بالقاهرة، سارعت باقتناء نفس المجموعة المكوّنـة لمجمع الشـارقة العلمى سـابقا، بعد أن أمضيت فى اقتنائها 13سنة لإقامة مجمع الشارقة العلمى.

 







مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة