عصام محمد عبد القادر

الكتائب الإلكترونية ودورها فى تزييف الوعى السياسي

الثلاثاء، 25 يونيو 2024 01:24 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

يعبر الوعى السياسى فى صورته الصحيحة عن إدراك الفرد لما يدور حوله من مجريات أحداث فى المجالات المختلفة بشكل متكامل، كما يشمل المعرفة العميقة لحقوقه السياسية فيلتزم بها، وواجباته فيؤديها، كما يدرك بعمق غايات النظام السياسى ومدى اتساقه مع الدستور، ومن ثم يستوعب ما يصدر من قرارات سياسية تحقق مصالح الدولة العليا؛ بالإضافة لفقهه الصحيح للتحديات السياسية التى تواجه الوطن والعالم بأسره؛ فيتمكن من تحليل ما يطرح عليه من قضايا، وفى هذا الخضم تصبح مشاركته السياسية إيجابية فيقوم بالتصويت عبر صناديق الاقتراع، أو التمثيل الانتخابى، أو التعبير عن الرأى من خلال القنوات المشروعة.

وتؤدى الكتائب الإلكترونية دورها المنوط بها فى تزييف الوعى السياسي؛ حيث تعمل على تشويه الأطر المعرفية والممارسية والقيمية التى تشكل سياج الثقافة السياسية للدولة، ويتم لك بصورة ممنهجة تستهدف بث الكراهية والعمل على فقد الثقة وإثارة الرأى العام، مع تنامى وتيرة الاحباط لدى الشعب؛ فما تقوم به السلطة السياسية لا ينال القبول والرضا من وجهة نظر الجميع، وبمزيد من الاحتقان تبدأ حالات الامتعاض يتلوها الخروج عن النظام ومحاولات إسقاطه بالطرق السلمية وغير السلمية.


ومن هنا تبدو الرؤية واضحة تجاه ما تنفقه دول أو منظمات أو جماعات على الكتائب الإلكترونية وتمدها بالدعم اللوجستى فى الداخل والخارج؛ حيث أن الغاية بالنسبة لهم عظيمة، والفكرة متجذرة فى وجدان خرب يملئه الحقد والضغينة؛ فالأمل بالنسبة لهم سقوط أو انهيار نظام الدولة، ثم الانقضاض عليها من قبل فئات ضالة ترى أنها أحق من غيرها فى الحكم، وإقامة الخلافة وتنفيذ مخططات صارت بالية.


وتقوم فلسفة عمل الكتائب الإلكترونية على تقزيم إنجازات القيادة السياسية والحكومة معًا، وإظهار الصورة قاتمة لإقناع الداخل قبل الخارج بأن النظام السياسى بات فاقدًا للرشد ولا يستطيع أن يؤدى ما عليه ولا يلبى احتياجات الشعب الأساسية ولا يحقق ماهية الأمن القومى للدولة؛ فيعظم من الأحداث والقضايا قيد اهتمام الرأى العام، ويطمس الحقائق ويزيد من وتيرة نشر الشائعات التى تخلق حالة من الارتباك بين المجتمع.


وآليات تزييف الوعى السياسى من قبل هذه الكتائب تركز على التشكيك بقنوات الدولة الشرعية، حتى ينساق ضعيفى النفوس إلى منابرهم التى ينطلق منها فيض الأكاذيب وصور التحريف والتزييف وقد من الامتهان فى تناول الجهود المبذولة؛ فلا يسلط الضوء إلا على مواطن الخلل والاعوجاج؛ فتنتهج سياسة التهويل، وتثار حولها مزيد من الشائعات، ومن ثم يسهل إلقاء الاتهامات فى كليتها على رأس النظام.


ويتضاعف نشاط تلك الكتائب عندما يكون هناك واجب وطنى يستوجب من المواطن المشاركة الفعالة وفق ماهية الوعى الصحيح المشار إليه سلفًا؛ لكن صورة التشوية التى تظهرها الفئات المستعبدة تشير إلى أنه لا ديمقراطية حقيقية، وأن الحرية لا مكان ولا وجود لها، وأن من يشارك يعد آثمًا من وجهة نظرهم وفى عقيدتهم المشوهة وفكرهم غير الناضج؛ فالمراد إفراغ الحياة السياسية من مضمونها وجعلها خاوية، حتى يتسنى لأصحاب المآرب استكمال مسيرة بث الشائعات والفتن التى تضير بالدولة واستقرارها وتطيح بجهود التنمية والنهضة فى ربوع الوطن.


وتزييف الوعى السياسى من قبل الكتائب يقوم على طرائق وأساليب انتقائية منها منهجية الحذف من محتوى مشاهد أو غير مشاهد؛ فيصبح الخبر أو البيان أو القضية مشوهة، كما قد يتم اختيار جزء دون أخر بغرض إضعاف استكمال الصورة فى إطارها الصحيح، وهناك التضخيم أو المبالغة فى العرض لمشكلة أو قضية تشغل الرأى العام، وسياسة التكرار فى العرض بما يؤكد صورة العوار فى ذهن المتلقى، ومن ثم يتشكل الإدراك المنقوص.


وعطفًا على ما سبق؛ فتزييف الوعى مبنى على تحقيق ماهية الإحباط فى النفوس والإحساس بالتهديد والخطر، والتقليل من كل شيء بهدف التأثير المباشر على المعنويات؛ فيتحول الرأى العام من وضعيته المؤيدة للدولة وسياستها ونظامها إلى معارض أو منسحب من المشهد؛ فلا يصطف خلفها ولا يقدم الدعم لإدارتها؛ فقد باتت السلبية شعار المرحلة والانتقاد من المفضلات التى يذهب إليها المغيبين ومشوهى الرؤية والوعى.


ولا ضير من أن تستعين الكتائب الإلكترونية بمقولات وآراء بعض الخبراء المأجورين بغية تعضيد أكاذيبهم والترويج لها فى الأذهان وتشويه الواقع وتعتيم الصورة؛ لتظل الأذهان والوجدان فى حالة من التشتت والترقب لما ستؤول له الأمور من سيئ لأسوء؛ فلا أمل ولا مجال للتفاؤل فى ساحة سياجها الإحباط ومتنفسها التناقض والتعارض.


إنها دون مواربة حرب متكاملة الأركان تقوم بها الكتائب الإلكترونية من أجل تشويه وتزييف الوعى والوصول بالمواطن لحد التشكيك حتى يفقد الثقة بصورة مطلقة، ومن ثم يسعى لزعزعة الاستقرار بكل أسلوب وطريقة مشروعة وغير مشروعة، وهذا مكمن الخطورة التى تستوجب منا أن نحسب لها الحسابات ونعقد من أجلها لمقاصد التى تزيل الأثر الفتاك لتلكما الشرذمة.. ودى ومحبتى لوطنى وللجميع.


حفظ الله وطننا الغالى وقيادته السياسية الرشيدة أبدَ الدهر.

أ.د/ عصام محمد عبد القادر
أستاذ ورئيس قسم المناهج وطرق التدريس
كلية التربية بنين بالقاهرة _ جامعة الأزهر

 










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة