الواقع أن الحديث عن تغير المناخ وحجم ما تتعرض له الأرض وما يفترض أنه ينتظرنا فى السنوات القادمة ليس اختراعا ولا أمرا عجيبا، وقد تناولت هذه التفاصيل على مدى السنوات الخمس الماضية بتفصيل من خلال متابعة تقارير وتوقعات علمية لما يواجه الأرض وسكانها خلال السنوات القادمة، نقول هذا لأننا بالفعل أمام واقع لا يمكن الهروب منه، ولا ينكره سوى سطحى يرضى بما يتسرب له من مواقع التواصل فى زحام الضخ.
ونحن عندما نطرح هذه القضية المتعلقة بالتغير المناخى، لا ننكر على الناس الطبيعيين الضيق والغضب من انقطاعات الكهرباء فى ظل ارتفاع ضخم فى درجات الحرارة، وهناك دائما فرق بين المواطن الطبيعى وبين عضو لجنة أو شخص يرتزق من كونه موظفا فى لجان وتنظيمات اعتادت على مدى سنوات أن تنشر اليأس والإحباط وتضاعف من أزمات الناس، ومن هنا لا يمكن تجاهل ما تسببه انقطاعات الكهرباء من مشكلات للمواطنين ومضاعفة معاناة طلاب الثانوية وهم يخوضون امتحانات مفصلية، بجانب ضرورة أن تكون الحكومة مستعدة للتعامل مع الظروف الطارئة وغير الطبيعية، وتضاعف من مخزون الغاز والوقود تحسبا لهذا الواقع الذى يفرض نفسه.
لكن على سبيل العلم ربما يفترض فى المواطن الذى يتابع كل شاردة وواردة فيما يتعلق بالمناخ أن يعرف أن سكان العالم يواصلون سداد فاتورة تغير مناخى حاد يتمثل فى موجات من الحر والبرد والفيضانات والجفاف، لا تأتى فى مواعيدها ولا أماكنها المتوقعة، وصرنا فى سنوات هى الأكثر حرارة وجفافا، ولم تعد الدول الكبرى الصناعية قادرة على تخفيض مطامعها الصناعية بما يعالج جزءا أو يبطئ من انعكاسات تغير المناخ.
وبعد أن كان العام الماضى مسجلا ضمن الأكثر سخونة على الإطلاق على مستوى العالم، ووفقا للوكالة الأمريكية فإن عام 2024 قد يحطم هذا الرقم القياسى بنسبة 50 فى المئة، وفى كل الأحوال سيكون بالتأكيد من بين السنوات الخمس الأكثر سخونة، والنتيجة أن فصل الصيف أصبح أطول وأشد حرارة، فى كل قارات العالم، آسيا وأوروبا وأمريكا الشمالية واللاتينية، وتعانى كل من سويسرا وبولندا من أمطار غزيرة وفيضانات مصحوبة برياح وعواصف، وسجلت دول المملكة المتحدة وفرنسا وبلجيكا وهولندا أرقاما قياسية تاريخية فى درجات الحرارة هذا العام، وصلت فى المملكة المتحدة إلى 40.3 درجة مئوية، وهو رقم غير مسبوق، وفى صربيا بين 35 و40 درجة مئوية، وأجبرت حرائق الغابات فى فرنسا والبرتغال وإسبانيا واليونان آلاف الأشخاص على إخلاء منازلهم، ونقص فى المياه فى مناطق بإسبانيا وإيطاليا، واجتاحت حرائق الغابات تركيا بسبب ارتفاع درجات الحرارة، وقتلت 11 وأصابت العشرات، وفى الهند وبسبب موجة الحر الشديدة التى تعيشها نيودلهى منذ أسابيع، أطلقت أزمة مياه دفعت السلطات إلى فرض قيود على استخدامها، وفى المكسيك تضاعفت الوفيات لتتجاوز 155 شخصا خلال هذا الصيف.
وبالتالى فلم يعد الأمر سرا لكنه واقع، يتزايد كل عام ويفرض المزيد من الخطوات على دول العالم، وأصبحت القنوات والمحطات والمواقع والصحف العالمية تتناول التغير المناخى والحرارة، وخرائط انقطاعات الكهرباء، فى أوروبا والولايات المتحدة ليس بسبب الأعاصير أو الفيضانات لكن بسبب الحر، إما بسبب خروج محطات عن الخدمة أو نقص الوقود بسبب تضاعف الاستهلاك، والمفارقة أن تقارير من قنوات عالمية ووكالات ومواقع تناولت الأمر فى دول العالم من دون أن يسخر منها أحد أو يتعامل معها باعتبارها تبريرا أو دفاعا.
وقد يكون من بين اللوم هو عدم التعامل مع التغير المناخى بما يفترض أن يكون علاجا ومواجهة، مثل التركيز بشكل واسع فى الطاقة الجديدة والمتجددة خاصة الشمسية، بحيث يوفر خلال سنوات نسبة قد تصل إلى الربع من استهلاك الكهرباء، خاصة مع تضاعف الاستهلاك بسبب الحر أو التوسع فى تشغيل أدوات كهربائية، وهو أمر أصبح واقعا، فى الماضى كان استهلاك المنازل يقتصر على لمبة إضاءة وتليفزيون، الأمر تغير، ومن الممكن أن توفر الطاقة الشمسية نسبة كبيرة للمنازل والأشخاص، وهذا يتطلب التوسع فى إنتاج مستلزمات الطاقة الشمسية بما يغرى المواطنين والهيئات على الاتجاه إليها.
الشاهد فى كل هذا أن العالم كله أصبح معنيا بتغيرات المناخ، وأصبح على كل الدول، ومنها بالطبع مصر، أن تسارع باتخاذ إجراءات لمعالجة تداعيات وانعكاسات هذه الأزمات، ومنها التعامل مع الطاقة بجدية، بجانب بناء سياقات وطرق للتوقع والتعامل المسبق مع المشكلات، وهو أمر يتطلب اللجوء للخبراء والعلم والاستباق.