بدعوة من العالم الجليل، الأستاذ الدكتور أحمد زايد، مدير مكتبة الإسكندرية، أقيم في شهر رمضان ببيت السناري بالقاهرة حفل إفطار حضره عدد كبير من المثقفين والمثقفات والمبدعين والمبدعات، وسبقته ندوة شارك فيها عدد من الحاضرين ولم يتسع الوقت لمشاركات عدد آخر.
عنوان الندوة عنوان رحب، متعدد الجوانب: "دور الفن والإبداع في تشكيل الهوية الثقافية".. وطبعا هذا العنوان، بهذا الاتساع، يحتاج إلى ندوات ومؤتمرات عديدة، يمكن أن تغطي القضايا والأبعاد المتنوعة التي يطرحها وينفتح عليها.
ألقيت في ندوة بيت السناري مداخلات مهمة، محكومة بالوقت المتاح، دار أغلبها حول قضايا الهوية المصرية، بمرتكزاتها الثابتة وبحراكها الذي يجعلها ظاهرة تاريخية قيد التشكّل وإعادة التشكّل باستمرار، تنمو ملامحها وتتجدد من فترة لأخرى ومن سياق لآخر..كما أشارت هذه المداخلات إلى بعض تمثيلات الإبداعات المتنوعة التي عبّرت، خلال العقود الماضية، وربما خلال القرن الماضي كله، عن الهوية المصرية، في نماذج أدبية وموسيقية وتشكيلية وسينمائية متنوعة.
السؤال المطروح الآن عن دور الآداب والفنون في تعزيز الوعي بالهوية الثقافية بعيد طبعا عن فكرة "التوجيه" التي اقترنت ببعض الفترات وبعض السياقات في بعض المجتمعات، وبعيد أيضا عن التصورات "التبسيطية" القديمة حول الدور "المباشر" الذي يلعبه الإبداع في تغيير المجتمع، ومن تمثيلات هذه الفكرة وهذه التصورات التبسيطية محاولات "اتحاد الكتاب" في "الاتحاد السوفييتي" (باعتبار ما كان) لتوجيه الأدب والإبداع انطلاقا من أفكار دعائية غائمة، استندت إلى عبارات فضفاضة، وربما طنانة، مثل "الأدباء هم مهندسو الروح الإنسانيّ"!..
مداخلات ندوة بيت السناري كانت بعيدة تماما عن مثل تلك الفكرة وتلك التصورات التبسيطية، وقد كانت إشارات الدكتور أحمد زايد لماحة ومدركة في هذه الوجهة، إذ أشار من البداية، في تقديمه للندوة، إلى أن الهوية الثقافية تتخلل الفنون والآداب انطلاقا من وعي عام، يشيع في المجتمع، ويتحقق في كل المجالات بهذا المجتمع.. ومن هذا الوعي يمكن أن ينطلق المبدعون والمبدعات، باعتبارهم جزءا من هذا المجتمع وبوصفهم متمثلين لهذا الوعي العام ومعبّرين عنه (أو هكذا وصلني تقديمه المهم).
علاقة الفنون والآداب بالهوية الثقافية علاقة وثيقة، تستدعي نقاشات مطولة حول قضايا عديدة، بعضها قديم قدم التاريخ، وبعضها حديث وراهن مرتبط بمتغيرات حاضرة في عالمنا الآن.. ومن بين هذه المتغيرات ما يتصل بخصوصية الهوية الثقافية المصرية، والعربية، في مواجهة ظاهرة كبيرة هي ظاهرة "العولمة"، وهي ظاهرة تنطوي على محاولة تسييد ثقافة واحدة بعينها، تنتمي انتماء واحدا بعينه، على ثقافات العالم كله.. ولعل هذا يحتاج إلى وقفة ترصد وتحلل الأدوات التي تعتمد عليها هذه الظاهرة، ومدى هيمنة هذه الثقافة الواحدة على الثقافات والإبداعات الأخرى، ومدى نجاح الثقافات والإبداعات الأخرى (ومنها الثقافة العربية والإبداع العربي) في الحفاظ على هويتها أو هوياتها المميزة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة