يمكننا الاستفاضة كثيرا فى الدور الذى لعبه الحوار الوطنى فى تحريك المياه الراكدة فى الشأن العام بمصر والسياسى على وجه الخصوص، فهذا أثر لا ينكره عاقل ولا يتجاهله منصف، ولكن الأثر الأعمق للحوار الوطنى يمكننى وصفه فى جملة واحدة، ألا وهى أن الحوار الوطنى نجح فى كسر حالة الصمت، ليس الانتخابى قبل الاقتراع بأيام، ولكنه الصمت السياسى، قبل الحوار لم يكن فى الآفاق سوى بعض الأحزاب والتيارات تقوم ببعض الفعاليات تعد على أصابع اليد الواحدة.
ومن هنا، كانت دعوة السيد الرئيس طوق نجاة، ومع توالى الجلسات وتعدد المحاور وتنوع الملفات واحتدام الحوار البناء، بدأ الحوار الوطنى شيئا فشيئا يقنع المتشككين ويحفز بعض المقاطعين ويقوى من عزيمة الواثقين، جلسات احترافية ونقاشات بناءة ومخرجات تلقى صدى مباشرا وآنيا وسريعا من صانع القرار، بل من رأس الدولة نفسه، جلسات عامة لسماع كل الآراء وأخرى متخصصة لـ«غربلة» تلك الآراء والخروج بتوصيات عملية وواقعية وقابلة للتطبيق ونقاش وحوار وحضور من السادة الوزراء، ومتابعة لسير تنفيذ التوصيات من السيد رئيس الوزراء بنفسه، حتى أصبح الحوار الوطنى بمثابة مؤسسة فكر أو Think Tank للدولة المصرية.
ثم كان التطوير المستمر «عقيدة» للحوار الوطنى، حين أضيف إليه بعد جديد، وهو بعد السياسة الخارجية والأمن القومى المصرى، كاستجابة من الحوار الوطنى لمستجدات الأحداث، فلن يكون مقبولا أن يقتصر الحوار الوطنى على مناقشة ملفات اقتصادية واجتماعية وسياسية داخلية، بينما العالم على صفيح ساخن، ليس فى أوكرانيا على بعد آلاف الأميال، بل على حدود مصر الشرقية التى لا يفصلنا فيها عن حرب مستعرة على مدار 8 أشهر تقريبا سوى بضع كيلومترات.
ولكن مصر دولة كبيرة ودولة مؤسسات، وطبيعة تلك الدول أن «تبنى الداخل» وهى «تؤمن الحدود»، وتصوغ الرؤى والسياسات العامة لتوفير الأمن الغذائى، وفى الوقت نفسه تتحرك أجهزتها الدبلوماسية والاستخباراتية والعسكرية للحفاظ على الأمن القومى، وهى وسط هذا وذاك لا تنسى المواطن من محدودى الدخل بمبادرات ومشروعات وقرارات وتشريعات، ولا تغفل عن التعليم والصحة والشباب والإعلام، فلا يطغى ملف على آخر، وإن كانت ترتب الأولويات، ومن هنا فإن وضع رؤية اقتصادية جديدة للدولة كان من أهم الملفات التى تحرك عليها الحوار الوطنى، بل كان رأس الحربة فى الملفات بعد استكمال الحوار فى مرحلته الثانية، والخروج بتوصيات مهمة وعاجلة على المستوى القصير، وليس فقط على المستوى المتوسط والبعيد.
خلاصة القول إن الحوار الوطنى كان قبلة الحياة، وطوق النجاة للحياة السياسية المصرية، وفرصة تاريخية لكل القوى والشخصيات العامة والسياسية للاشتباك الحقيقى مع ملفات الدولة بعيدا عن «التنظير المثالى» و«الإكليشيهات المحفوظة» و«الخطابات الرنانة»، فشكرا لمن دعى للحوار، وشكرا لمن كان جادا وحريصا ولبى النداء.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة