افتتحت الحربُ شهرَها العاشر، ومن طُول ما تكرَّرت التجاربُ وأخفقت منذ الهُدنة الأُولى قبل ثمانية أشهرٍ تقريبًا؛ فإنَّ الأذهانَ تنصرفُ منذ البداية إلى توقُّعاتٍ مُتشائمة، وقد بات واضحًا للمُراقبين أنَّ بنيامين نتنياهو لا يُريدُ التهدئة، ويستثمرُ فى الصراع بمنطقٍ وُجودىٍّ تحكمُه اعتباراتُ البقاء وتحصين أجندته السياسية، وسط مُناخٍ مُضادٍّ له فى الداخل، بما لا يقلُّ عن الخارج أو يفوقه. لكنَّ المشهد اليوم يتدحرجُ باتجاه احتمالات مُغايرة، ولا يبدو الإيقاعُ كسابق المحاولات، خصوصًا مع تواتر إشاراتٍ من كلِّ الأطراف، تُرجِّح الرغبةَ فى كَسر الطوق ومُغادرة حيِّز الانسداد، إمَّا بأثر الإرهاق والملل، أو بفداحة الحالة الإنسانية، أو لحساباتٍ سياسية مُتشابكة إقليميًّا وعالميًّا.
مُلوَّنة وانحيازيّة وفيها العِبَر؛ لكنها كل المُتاح فى سياق نظام دولى مُختلّ.. الورقةُ التى قدَّمَها بايدن أواخر مايو الماضى، مثّلت اختراقًا نوعيًّا كبيرًا وعميقَ الأثر؛ لا لأنها كانت مثاليّةً فى أفكارها وطروحاتها، ولا لتعبيرها عن رغبةٍ أمريكية حقيقية وصادقة فى تصفير النزاع وشَقِّ مسارٍ تَسوَوىٍّ يقود لتبريدٍ وقتىٍّ وتخريجاتٍ مُستقبلية مُقنعة؛ بل لأنه مَرَّرها من تحت عباءة الليكود وحكومته، ونسبَها للسلطة الحاكمة فى تل أبيب، ودفعَ بقوَّة لإكسابها جسدًا ماديًّا عبر مجلس الأمن الدولى، ثمَّ من خلال مُقارباتِ الفريق الرئاسىِّ وانفتاحه على الوسطاء الإقليميِّين، ومُحرّكه الأوحد يحتكمُ لأثر المقتلة الدائرة فى غزَّة على موسم الانتخابات، وحظوظ العجوز الديمقراطى أمام منافسه الجمهورى الجارح؛ لا سيَّما بعدما أفضت المُناظرة الأُولى قبل أسبوعين إلى وضعٍ حَرج، لم يعُد لدى سيد البيت الأبيض فيه أيَّة أوراق فاعلة فى حَسم السباق، ولا ترميم حاضنته المُباشرة، وقد آلت مواقفُها إلى مُطالباٍ مُعلنة باستبداله بوجه أكثر شبابًا وحيويّة. لقد صارت المسألةُ الغزِّية بين ليلةٍ وضُحاها واحدةً من قضايا الداخل الأمريكى، ولعلَّها تحكمُ المُنافسةَ المُرتقَبة فى نوفمبر المُقبل أكثر من أىِّ اعتبارٍ آخر.
نشَّطَتْ الإدارةُ جهودَها فى الآونة الأخيرة، وقد أعادت صياغةَ بعض بنود الاتفاق وتكييف عناصره بما يُلاقى «حماس» على هدفٍ مُحَدَّث، يختلفُ كثيرًا عمَّا كانت تتشدَّدُ فى اشتراطه طوال الشهور الماضية. أُعِيد تأسيسُ الجدول الزمنى للانتقال بين المراحل، وتخلَّت الحركةُ عن الوقف المُسبَق لإطلاق النار والانسحاب الكامل من القطاع، على أن تصلَ إليه من بوَّابة المُفاوضات غير المُباشرة فى مُهلةٍ فاصلة بعد المرحلة الافتتاحية. وإذا كانت الحكومةُ الإسرائيلية قد أرسلت رئيسَ الموساد إلى الدوحة أواخر الأسبوع الماضى، ثم أتبعته بوفدٍ فنىٍّ يضمُّ فريق التفاوض لبحث المسائل العالقة، وتزامنت مع الحضور الأمريكى فى القاهرة؛ فإنَّ هذا لا يشطُب تمامًا المُناورةَ المقصودة من جانب نتنياهو، ولا ما عبَّر عنه من أنَّه ليس بصددِ اتِّفاقٍ وَشيك، وقد يستغرقُ الأمرُ أيامًا طوالاً، وهنا فإنه على الأرجح يستهدفُ شراءَ الوقت؛ لحين تمرير زيارته المُرتقَبة إلى واشنطن، والفوز بمساحة غَسل السمعة وأعمال العلاقات العامة أمام الجلسة المُشتركة للكونجرس، ثمَّ الفوز بحصَّته المُؤجَّلة من رعاية البيت الأبيض، عندما يلتقى «بايدن» فى المكتب البيضاوى؛ وكأنه اعتذارٌ بأثرٍ رجعىٍّ عن التعالى السابق، وعن إرجاء المُقابلة التى كانت تأخذ صِفةَ العُرف الدبلوماسى بين البلدين، منذ قدوم الحكومة اليمينية أواخر العام قبل الماضى؛ بل وحينما كان رئيسها فى الجمعية العامة للأمم المتحدة قبل الطوفان بأسابيع.
الاستخباراتُ المركزيّةُ الأمريكية على الخَطّ، وقد زار مديرُها ويليام بيرنز الدوحة، ثمَّ انتقل إلى القاهرة فى سياق العمل مع الوفد الأمنى المصرى، والتقى الرئيس السيسى مُستمعًا من جديد لرؤية القاهرة التى لم تتغيَّر منذ اندلاع النزاع. إذ ترفضُ استمرارَ العمليات العسكرية، وكلَّ ما يُراد من جانب الطرف الإسرائيلى لاستبقاء سيطرةٍ أمنيّة أو مدنيَّة على القطاع، أو الذهاب لصيغةٍ إدارية تستندُ لمُكوِّن دولىٍّ وإقليمىٍّ فى غياب السلطة الفلسطينية الشرعية، فضلاً على ثوابت أخرى تخصُّ المعابرَ، وضرورة الانسحاب من الجانب الآخر لرفح قبل إعادة تشغيله. والحال أنّ الوسطاءَ جميعًا يتشاركون دائرةً واحدة من العناصر الأساسية للاتفاق، ويبدو أنَّ الفصائل قد أخذت خطوةً إلى الوراء؛ فصارت أقربَ لموقفِ دول الاعتدال العربى، بل وتُلاقِى الضامنَ الأمريكى بأكثر ممَّا يُلاقيه حليفُه الصهيونى.
بحسبِ المُعلَن، يصلُ اليومَ وفدٌ مصرىٌّ إلى الدوحة، وغدا تستضيف القاهرة جولةً جديدة من المفاوضات، فى سياق العمل على تقريب وجهات النظر بين غزَّة وتل أبيب، وبالأحرى بين حماس والائتلاف الليكودى/ نتنياهو والسنوار. لقد تردَّدت رسائلُ عِدَّة من الشارع الإسرائيلى، وعبرَ الإعلام، وعلى ألسنة الجنرالات وتيَّارات المُعارضة كلها، تنحازُ إلى إبرام صفقةِ تبادُلٍ؛ ولو كانت على معنى الهزيمة المعنوية، أو مُقابل التضحية بما تبقَّى من أهداف الحرب، ويبدو أنها آلت إلى الاستحالة. والظاهرُ أنَّ العقبةَ الوحيدة تتأتّى من مواقف رئيس الحكومة وحُلفائه التوراتيِّين، مع مُتغيِّرٍ جديدٍ نسبيًّا؛ أنَّ بعض نواب الليكود فى الكنيست أبدوا اعتراضَهم على الصفقة طالما كانت تُهدِّدُ بتفكيك الائتلاف، وبمعنىً أوضح فإنهم لن يُصوِّتوا لصالحها ما لم يسبقهم بن جفير وسموتريتش إلى ذلك. الباعثُ أنهم مُنزعجون من احتمال تفكيك الأغلبية الحالية حال نفَّذت الأحزابُ الدينيّة تهديدَها، ما يعنى الاحتكامَ إلى انتخابات مُبكِّرةٍ لن تُمكِّن الليكود من الأكثرية بأيَّة حال، كما لن يكون بمَقدورِه بناء توافُقاتٍ مع الكُتل المُحيطة؛ لقيادة السلطة التنفيذية أو حتى التمثيل العابر بين مُكوِّناتها. وبينما يُشكِّل ذلك عامل ضغطٍ على نتنياهو وحزبه؛ فالواقع أنه يتعيَّن أن يكون ضاغطًا على شُركائهم بدرجةٍ أكبر، إذ لا سبيلَ لهم إلى الحُكم مُجدَّدًا لو انحلَّت قبضتُهم الراهنة، ولن تُرحِّب بهم تيَّاراتُ الوَسَط المُتقدّمة فى استطلاعات الرأى بأيّة صورة، وهُنا يُمكن أن يكون التلويح بإنهاء الفترة التشريعية أداةَ ترويضٍ للمُتطرِّفين؛ لو أراد «بيبى» بصدقٍ أن يُنجِزَ التهدئةَ المرغوبة شعبيًّا وسياسيًّا وعسكريًّا.
الملفُّ مُقبلٌ على فترةٍ حَرجة. يتبقَّى أُسبوعان فقط على وقوف نتنياهو أمام الكونجرس، وبعده بثلاثةِ أيَّامٍ ستنتهى أعمال الكنيست ويدخل عطلتَه الصيفية الطويلة، ثمَّ ترتبكُ صفوف الديمقراطيين على مشارف مُؤتمرهم العام، وبعدما يكون الجمهوريِّون قد منحوا بطاقةَ الترشيح الرسمية للرئيس السابق دونالد ترامب. لو أفلتَ ذئبُ الليكود من الفُسحة المُتبقِّية قبل الفوضى الزمنيَّة الوشيكة؛ فإنه سيعودُ إلى حالٍ أشبه بما كان بعد «طوفان الأقصى»، بمعنى الحركة بغطرسةِ الإجماع رغم غيابه فعليًّا. سيتحقَّقُ له الانفرادُ بالقرار داخليًّا، والتحلُّل جُزئيًّا وفى نطاق العمل المُؤسَّسى من مُناكفات المُعارضة، وإزاحة كثيرٍ من القيود الأمريكية المُلتفّة حول رقبته. وقد يستغلُّ الارتباكَ والانشغالات ليُطلِقَ مُغامراته الخَطِرة شمالاً، إن بحربٍ واسعة مع حزب الله، أو بتصعيدٍ خارج الأُطَر وبما يتجاوزُ سقفَ الاشتباك القائم. وسيكونُ على الحليف أن يزيحَ لُغتَه الدبلوماسية جانبًا، ويتخلَّىعن رسائله التحذيرية المُتدفِّقة فى الكواليس، وأن يلبسَ عُدّتَه الحربيّة كاملةً، وينخرط فى مُواجهة لا تخدمُ أحدًا إلَّا شريكَه المجنون.
لقد أخفقَ «بايدن» فى أوَّلِ الأمر، ويدفعُ اليومَ فواتير التراخى والاستسهال وإرخاء الحبل لآخره. صحيح أنه لم يكُن يملكُ رفاهية الحياد، ولا كان فى مقدوره إلَّا أن يُعلِنَ انحيازَه الكامل ودعمه غير المحدود لتل أبيب؛ لكنه لم يُرشِّد هذا الخطاب المُتطرِّف بقدرٍ من التعقُّل والمُراجعة والتقويم الهادئ. وحتى فى التنافس على رضا جماعات الضغط؛ فقد اكتفى بالتعبير عن صهيونيته المُخلصة، وأنه يقف بجانب الدولة العبرية من مُنطلَقٍ هُويَّاتى وعقائدىٍّ ذى مَسحةٍ مسيحانية، وبينما استغلَّ غريمُه ما تبدَّى عنه من ارتباكٍ فى مُقاربة الحرب والتسوية، فإنَّ فريقه لم يشتغل على مسألة النزاع بين ترامب ونتنياهو، وانكسار الصلة الإنسانية التى كانت تربطهما، فى ضوء ما صرَّح به الأوَّل غيرَ مَرّةٍ من أنه تعرَّض للخيانة والجحود من صديقه الليكودى، سواء فى نَقض اتفاق الشراكة فى تصفية قاسم سليمانى، أو خذلانه عندما بادر بالاعتراف بنتائج الانتخابات الماضية فى 2020، وكان فى مَقدورِه أن يصمتَ وفاءً للرجل الذى قدَّم له ولبلده ما لم يُقدُّمه شخصٌ آخر، على ما يقول الرئيسُ السابق، ويرى فى مواقفه الاستثنائية وغير المسبوقة لصالح إسرائيل.
ربما يكون الاتِّفاقُ مُتعثّرًا، وبطبيعة الحال لن يتوقَّف «بيبى» وعصابته عن وَضع العراقيل فى طريقه؛ لكنها المُهلَة الأخيرةُ قبل أن يصيرَ الخروج من أجندة اليمين الصهيونى مُستحيلاً. اللحظة التى يُوقِّع فيها الطرفان ورقةَ التهدئة على أىِّ شَرطٍ كان؛ ستصيرُ البدايةَ الحقيقية التى تنفجر فيها الخلافات الداخلية المكتومة، وتنطلقُ صراعاتُ السياسة فى تل أبيب، وصدامات اليمين بجناحيه القومىِّ والتوراتى، وستخرج نزاعاتُ الساسة والجنرالات إلى العَلَن بأكثر ممَّا هى اليوم، وربما يتكفَّل هذا بإحباط مُخطَّط الانتقال من الجبهة الجنوبية إلى الحدود اللبنانية، ويُسرِّع وتيرةَ إسقاط الحكومة والذهاب إلى الانتخابات. وفى كلِّ الأحوال لن يعودَ بإمكان المُتطرِّفين العودة إلى إيقاع الحرب المُعتاد فى غزَّة، وأقصى ما يملكونه وقتَها أن يذهبوا اضطرارًا إلى المرحلة الثالثة، وأن تتضاءل تلك المَرحلةُ انحسارًا إلى موجاتٍ مُتقطّعةٍ من القصف الجزئى، ومن دون عمليَّات نوعية مُوجَّهة أو اقتحاماتٍ ميدانيَّة بعناصر الوحدات الخاصة. أمَّا الأثرُ الأهمّ، وما لا يُمكن تعويضُه أو ترميمُ تداعياته لاحقًا؛ فإنه الإقرار عمليًّا بهزيمة الاحتلال وانتصار الفصائل، ولو على تلٍّ من الركام والجُثَث. الفكرة ليست فى العجز عن إنجاز حزمة الأهداف المُتشدِّدة فحسب؛ بل فى أنَّ العدوَّ يتجرَّع السمّ راضيًا، وينتقل على صِفة الاضرار من طلب إفناء حماس وجَزِّ رقبة السنوار؛ إلى الاعتراف بالحركة ضِمنيًّا، وتوقيع عَقد المُساكنة الإجبارية المُوجِعة مع قائدها الضائع فى الأنفاق.
ما فاتَ لا يعنى غَسلَ أيدى القسَّاميِّين من خطاياتهم العديدة والفادحة طوال الشهور الماضية، فى «الطوفان» أو ما تلاه، وفى خِفّة الترتيب العسكرى واستخفاف المُقاربات السياسية، والتسليم بالاستتباع وتمرير أجنداتٍ «فوق فلسطينية» ولو على أشلاء المدنيِّين العُزّل. كان حَمَاسيّو الخارج على مقربةٍ من قبول الورقة المصرية فى مايو؛ ففاجأهم جنرالُ الحركة فى القطاع بتفخيخ الصفقة، عندما نفَّذ قصفًا استعراضيًّا باهتًا لإحدى القواعد فى مُحيط كرم أبو سالم، ثمَّ أعلنت بعد أسابيع عن استحسانها لورقة بايدن؛ قبل أن يتحدَّث رأسُ المحور الشيعى، المُرشد بنفسه، رافضًا الاتِّفاق ومُتمسِّكًا بحصّة الاستثمار الإيرانى فى الطوفان؛ فتراجعَ المُفاوضون وشَدّدوا مطالبَهم. وحتى اللِين الأخير جاء بعد مُداولاتٍ خارج الأرض المُحتلَّة، واتِّصالاتٍ مع قادة المُمانعة الإقليميين، وزيارةٍ حماسيَّة غير مفهومة إلى الضاحية؛ للتشاور وأخذ الإذن من حسن نصر الله، وهو ما لم يحدث طوال تسعة أشهر مع «فتح» ومنظمة التحرير وسلطة رام الله. وأيًّا كانت المُقدّمات والنتائج؛ فالمُهمّ أن يصلَ المنكوبون فى غزَّة إلى عتبةِ النجاة، وأن يتحرَّروا من مُنازلات «عَضّ الأصابع» بين تيّارين يتنافسان فى الخيارات التصريحيّة الحارقة والغايات الإلغائيّة المُضمَرة، مع يقينهما فى أنه لا ظِلَّ لها، ولا فُرصةَ لإخراجها من دائرة الأحلام المُستحيلة إلى سلّة الأهداف المُمكنة.
إعادةُ إحماء الصفقة بوتيرةٍ أسرع ممَّا كان، أقرب إلى مُحاولة للاستدراك على مواقف بايدن، وما ضيّعَه برعونته طوال الشهور الماضية. إنه اليومَ يُسدِّد أعباءَ الشراكة فى المَقتَلة، ويسعى للإفلات من فَخّ الانزلاق لنسخةٍ جديدة على حدود لبنان، ولديه حليفٌ يُظهر له المَودّة ويُبطِنُ الرغبةَ فى إزاحته لصالح صديقٍ قديم؛ ولو كانت العلاقات مُتوتِّرةً قليلا. يعلمُ نتنياهو أنه قادر على تذويب الخلافات مع ترامب، ومُغازلة ذاته المُتضخّمة لإحراز مكاسب على قدر النفاق، ما يعنى أنه سيُحصِّل منه أضعاف ما اقتنصه من الرئيس العجوز؛ فضلاً على أنَّ تجديد السلطة فى واشنطن سيكون أشبَهَ بتصفير العدَّاد وبدء الحساب من الصفر. لن تتوقَّف الإدارةُ الجديدة أمام عطايا سابقتها، ولن تدّخِرَ جهدًا فى صَدِّ الرياح الدولية العاصفة، وتحييد المسارات القانونية المُهدِّدة لسُلطة تلّ أبيب، وقد يحملُ الأمرُ إنعاشًا لليمين الصهيونى مُجدَّدًا، وقد اعتاد أن يزدهرَ وتتجذَّر أجندتُه فى عُهدة الجمهوريِّين؛ والشارعُ العِبرى مُؤهَّلٌ لهذا، ويعصفُ به جنونٌ يَمينىٌّ لا سقفَ له، باستثناء إنسانيّته الظرفيّة الباهتة والمحصورة فى استعادة الأسرى.. والحال أنَ الفصائلَ أخطأت وأصابت، والمدنيِّين تعرَّوا إلى العَظْم من كلِّ طاقةٍ ومَقدرة على الاحتمال، والمناخَ مُواتٍ للصفقة بكلِّ الاعتبارات السياسية والحربية، ناهيك عن الأثقال الأخلاقية والقانونية؛ إنما المُنازعةُ الآن ليست على قَدر الحاجة للتهدئة، ولا توافُر ظروفها الموضوعيّة؛ بل على مُحاصرة نتنياهو والإفلات من مُراوغاته. يعملُ البيت الأبيض مع الجنرالات، ويُخاطبُ المُعارضةَ الهشّة من يمين الوسط، ويعرفُ أنَّ بقاءَ بايدن فى رحيل بيبى، والعكس، وإذا نجَتْ المُقاربة التسوَوية من الاستهداف فإنَّ ذلك لن يُبرّئَ الإدارةَ الأمريكية، أمَّا لو أفشلَها صقورُ الصهيونية كعادتهم؛ فسيكون العقاب الطبيعى العادل لعجوز واشنطن، فى مؤتمرِ الحزب أواخر الشهر المُقبل، أو فى مهرجان الشارع الانتخابى بحلول نوفمبر.