نواصل الحديث عن أساطير الحضارات الأولى وأفكارهم في نشأة الكون، لكل حضارة قصة في خلق العالم، تختلف باختلاف الثقافة والطبيعة، وقد كان الإغريق أصحاب حضارة قديمة وغنية، ولها تصوراتها المتنوعة، ومنها ما يتعلق بنشأة الكون.
ويقول كتاب أشهر الأساطير في التاريخ لـ مجدي كامل تحت عنوان "أسطورة الخلق الإغريقية":
في البداية لم يكن موجودًا سوى الخواء الكوني السرمدى، المظلم واللا محدود، وكان مصدر الحياة يكمن فيه، فكل شيء ظهر من الخواء الكوني اللامحدود - العالم كله والآلهة الخالدون - ومن الخواء الكوني جاءت آلهة الأرض، غايا أو جييا وقد امتدت واسعة جبارة، تهب الحياة لكل من يعيش أو ينمو عليها.
وبعيدا تحت الأرض بعد السماء المشرقة الشاسعة عنا، على عمق سحيق، ولد الترتار المتجهم أعماق الجحيم، وهو هوة سحيقة، مملوءة بالظلام السرمدى ومن الخواء الكونى ولد الحب - إيروس القوة الجبارة، التي تحيى كل شيء، وأنجب الخواء الكوني الظلمة الأبدية "إيريب" والليل المظلم – "نوكس"، ومن الليل والظلمة جاء النور الأبدى الهواء أو الأثير، والنهار المشرق البهيج، وقد انتشر الضوء في العالم بأسره، وراح الليل والنهار يتناوبان.
وأنجبت الأرض الجبارة المعطاء السماء الزرقاء، التي لا حدود لها، وامتدت السماء فوق الأرض و باعتزاز شمخت نحو السماء الجبال العالية التي أنجبتها الأرض، وانبسط البحر الصاخب أبدا، واسعا شاسعا، وسادت السماء العالم، وتزوجت من الأرض المعطاء، فأنجبا ستة أولاد وست بنات جبابرة أقوياء، وقد أنجب ابنهما الجبار أوقيانوس الذي يزن الأرض كلها، والآلهة تيئيس، أنجبا كل الأنهار، التي تدحرج أمواجها نحو البحر، كما أنجبا الآلهة البحرية الأوقيانوسيات.
أما المارد هيبريون وثييا فقد أنجبا هيليوس إلهة الشمس، وسيلينة إلهة القمر، وإيوس أورورا الوردية، إلهة الفجر.
وأما استرايوس وايوس فأنجبا النجوم التي تتلألأ في سماء الليل المظلمة، والرياح وهى بورياس رياح الشمال العاصفة، وإيروس الريح الشرقية ونوتوس الريح الجنوبية الرطبة وزيفير الريح الغربية الحنونة، التي تسوق السحب المحملة بالأمطار .
وبالإضافة إلى المردة فقد أنجبت الأرض الجبارة ثلاثة عمالقة السيكلوبات، ذات العين الواحدة، وثلاثة عمالقة بحجم هائل كالجبال، لكل منهم خمسون رأسًا، وقد عرفوا باسم هيكاتونشير؛ لأن لكل منهم مائة يد، ولم يكن بمقدور أى شيء أن يقف في وجه قوتهم الهائلة، التي لا حدود لها.
كان أورانوس يكن الكراهية والبغض لأبنائه العمالقة في جوف إلهة الأرض، فسجنهم في الظلمة الظلماء ولم يسمح لهم بالخروج إلى الدنيا؛ مما سبب المعاناة لأمهم الأرض التي كانت مثقلة بالعبء الفظيع المحبوس في جوفها، وقد استدعت أولادها المردة، وراحت تحرضهم على التمرد على أبيهم أورانوس، لكنهم كانوا يخافون من مس أبيهم بسوء، سوی كرونوس الماكر، خلع أباه بدهائه، وسلبه السلطة.
وعقابا لكرونوس أنجبت إلهة الليل لفيفا من الآلهة الفظيعين : ثاناتوس الموت إيريدا الشقاق أبانا : الخداع، كير التدمير، هيبنوس: النوم، الذي تتخلله الكوابيس المرعبة، ونيميسيدا الانتقام للجريمة، والكثير من الآلهة الأخرى.
وقد جلب هؤلاء الآلهة الهول، والشقاق، والخداع، والصراع والبؤس إلى العالم، حيث تربع كرونوس على عرش والده.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة