سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 13 يوليو 1839..محمد على باشا يرفض عرض المليونير الإنجليزى «مونتفيور» باستئجار ما بين 100 و200 قرية فلسطينية لتشجيع عودة اليهود للإقامة فيها

السبت، 13 يوليو 2024 10:00 ص
سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 13 يوليو 1839..محمد على باشا يرفض عرض المليونير الإنجليزى «مونتفيور» باستئجار ما بين 100 و200 قرية فلسطينية لتشجيع عودة اليهود للإقامة فيها

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

توجه المليونير اليهودى موسى حاييم مونتفيور، إلى فلسطين فى ربيع 1839، لكى يجتمع فى منطقة «صفد» بفلسطين مع ممثلى الجالية اليهودية الصغيرة هناك وكانوا أساسا من البرتغال وألمانيا، وقام «مونتفيور» بمعاينة مساحة من الأراضى، حتى يتبلور الشكل النهائى للمشروع الذى يسعى لتحقيقه منذ فترة وهو، إعادة توطين اليهود بفلسطين، حسبما يذكر الكاتب الصحفى محمود عوض فى كتابه «وعليكم السلام، مصر وإسرائيل والعرب.. الجذور والمستقبل».


يوضح «عوض» أن «مونتفيور» كان صهرا لواحد من أكبر غلاة العاملين لتوطين اليهود فى فلسطين وهو المليونير اليهودى روتشيلد، وهما ومع أسماء أخرى كان الخيط الواحد الذى ربط حركتهم جميعا هو الانقضاض بسرعة على فلسطين فى أعقاب انعزال مصر الإجبارى عن العالم العربى بإرغام محمد على باشا على الانسحاب من الشام قبل نهاية عام 1840، والقيود العديدة التالية على مصر باتفاقية لندن.


يربط محمود عوض الضغوط التى قادتها بريطانيا لطرد محمد على من الشام بالجهود التى كانت تزداد تركيزا فى «المشروع اليهودى الإنجليزى» المشترك لتمهيد الأرض لاغتصاب فلسطين، ويدلل بثلاث وقائع منها واقعة سفر «مونتفيور» إلى فلسطين فى ربيع 1839 (أى قبل انسحاب محمد على من الشام)، ففى أثناء وجود «مونتفيور» فى فلسطين طرأت فكرة مدهشة عليه وملخصها «أن مصر الآن تعرف أنها مرغمة بالتأكيد على الانسحاب من فلسطين والشام بأكمله سريعا، وبتكاليف فادحة، إن الضغوط تحاصرها من كل جانب، فلماذا لا يتم التلويح لها بثغرة جانبية لتخفيف تلك الضغوط ماليا وسياسيا؟ فبعد كل شىء وطالما مصر منسحبة من فلسطين فى نهاية المطاف، فالمعقول أنها لن تهتم كثيرا بما يجرى لفلسطين بعد ذلك، لماذا إذن لا تجرى محاولة لتوريط مصر فى المشروع اليهودى؟».


يذكر «عوض» أن تلك هى الفكرة المدهشة، وسرعان ما قرر مونتفيور تنفيذها، فاتجه بحرا إلى الإسكندرية، حيث طلب مقابلة محمد على، يوضح عوض: «من الأصل كان محمد على يقابل أعدادا كبيرة من الأجانب الوافدين على مصر، وبرغم معرفته مقدما بأن النسبة الكبرى منهم مجرد آفاقين ومحتالين، لكنه كان يقول: «إننى أعرف أنه من بين الخمسين شخصا الذين يأتون إليِ لعرض خدماتهم، هناك تسعة وأربعون يمكن اعتبارهم حجارة كريمة مزيفة، إلا أننى لا أستطيع أن أكتشف الجوهرة الحقيقية الوحيدة بينهم دون تجريبهم جميعا».


بهذا التصور من محمد على وافق على مقابلة «مونتفيور»، ويذكر «عوض»: «بدأت المقابلة فى 13 يوليو، مثل هذا اليوم، 1839، وبغير أن يعرف الباشا أن هذا المليونير الإنجليزى هو أيضا زعيم الأقلية اليهودية فى إنجلترا، يذكر «عوض»: «بدأ الباشا يستمع إلى «مشروع الاستثمار المدهش»، وطرحه «مونتفيور» قائلا: «إننا نفكر فى تأسيس شركة استثمار إنجليزية فى لندن، مهمتها تشجيع عودة اليهود إلى فلسطين للإقامة فيها، ولهذا الغرض فإن مثل هذه الشركة تحتاج إلى استئجار منطقة فى الجليل «شمال فلسطين» لمدة خمسين سنة».


كشف «موتنفيور» فى كلامه لمحمد على أنه عاين هذه المنطقة بنفسه، قائلا: «تلك المنطقة عاينتها بنفسى وهى تشتمل على ما بين مائة إلى مائتين من القرى الفلسطينية، وبالطبع سوف تسدد الشركة إلى معاليك باعتبارك والى مصر الذى تحكم فلسطين ضريبة استثمار عن هذه الأراضى التى سنستغلها لمصلحتنا ومصلحتك ومصلحة أهالى المنطقة أنفسهم الذين سيعمهم الخير الوفير، فضلا عن أن اليهود سوف يدعون لك فى صلواتهم بأن يجعلك الله زعيما مباركا للشرق كله».


يصف «عوض» بطريقة ساخرة رد فعل محمد على، متوقعا ما فكر فيه الباشا، قائلا: «استمع محمد على حتى النهاية إلى هذا «المحسن» اليهودى المليونير القادم من لندن، والمتحمس للأعمال الخيرية، إن الباب قد فتح أمام محمد على لتوه من أجل اغتراف رضاء الرب وبركاته ، والرب لن يعطيه بركاته إلا بمثل هذه التوصية اليهودية المؤكدة، ثم من يدرى؟ ألا يجوز أن يدخل محمد على التاريخ من أوسع أبوابه، لو أنه كتب على يديه أن يكون فاتح فلسطين أمام الاستعمار اليهودى المسكين؟ إنهم سيأتون له بالمال، وبأحدث ما فى العصر من تكنولوجيا، وبالصلوات، وبركات السماء على أقساط متساوية لمدة خمسين سنة، فلماذا لا يوافق؟


يعلق عوض: «لم يكن محمد على بالبلاهة التى تصورها فيه المليونير اليهودى المتحمس للأعمال الخيرية، وكان الجواب الفورى القاطع من محمد على الرفض جملة وتفصيلا، وهكذا عاد المليونير اليهودى «مونتفيور» صهر روتشيلد وزعيم الأقلية اليهودية فى إنجلترا، بخفى حنين، بعد أن اكتشف أنه استخف بشدة بذكاء هذا الرجل الأمى، محمد على، واكتشف أيضا أن مصر وإن كان موقفها دقيقا أمام الضغط البريطانى عليها فى الشام، إلا أنها لم تهزم بعد الهزيمة النهائية لكى تقع فريسة لمشروعات الاستعمار اليهودى، وهكذا كان لا بد من طرق أبواب أخرى بديلة عن الباب المصرى.










مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة