أحيانًا يجد الإنسان نفسه شخصًا آخر عند تعامله مع أحد الأشخاص، فيتحول إلى شخص لا يعرفه، بل ولا يحبه، ولا يرغب في التعامل معه، لأن الشخص الآخر يضعه في حالة نفسية سيئة تجعله يضطر إلى استخدام أساليب لا يرضى عنها، أو ربما يحتاج إلى إظهار نفسه في صورة معينة تتلاءم مع الموقف الذي تم وضعه فيه. ورغم ذلك يكون بينه وبين نفسه في حالة عدم رضاء عن هذا الأسلوب الذي اتبعه.
فللأسف، هناك أشخاص تجعلك لا تُحب نفسك، لأنك تكون معهم في غير صورتك الحقيقية، وأنت لا تُحب هذه الصورة، ولا تجد فيها ضالتك، ولا تستهويك مفرداتها، لأنها الوجه الآخر لكيان أنت لا ترضاه ولا يُمثل حقيقتك، وأسوأ إحساس يمكن أن يمر به إنسان هو استشعاره أنه يخرج من جلده، ويتجرد من طبيعته، ويتنصل من تكوينه، ويتبرأ من هويته الإنسانية، بل وقد يصل به الأمر إلى أن يتحول إلى امرئ آخر لا يعرفه، بل ولا يتمنى أن يعرفه، فهو بمثابة العلامة السوداء في حياته، فهو يُظهر أسوأ ما فيه، ويُخرجه من الصورة المألوفة بالنسبة له، ويضعه في مكانة لا ترقى نفسه إليها، ولا تمثل الشكل الإنساني الذي تصبو إليه نفسه.
وكل هذا يحدث بسبب إصرارنا على التعامل مع شخصيات تُخرجنا عن طورنا الطبيعي، وتُحولنا داخل أنفسنا، وتُغربنا عن نُفوسنا، فهذه هي الغُربة الحقيقية التي تجعل الإنسان في حالة لاوعي، رغم أنه في قمة وعيه، ولكن ما الداعي لأن يصل الإنسان بنفسه إلى هذه الحالة؟، فالحياة تفرض علينا الكثير من التعاملات، وعلينا إما أن ننجح في كبح جماح النفس، والتحلي بالثبات الانفعالي، أو تجنب التعامل مع أشخاص تصل بنا مع أنفسنا إلى مرحلة مُفترق الطرق، فهذا الشعور قاتل وسخيف، ويخلق حالة من الاكتئاب، ولا يوجد ما يُجبر صاحبه على الاستمرار فيه، فعليه أن يُصدر قرارًا إيجابيًا بإنهاء حالة الشتات الذهني هذه، ويرفض تكملة علاقات سلبية مآلها إلى الفشل، وأكبر فشل هو أن يُصاب به الإنسان مع نفسه بسبب غُربته عن تكوينه الداخلي، واضطراره إلى استعمال أساليب لا تمت له بصلة، تُجرده من إنسانيته، وتقتل الروح التي يعشقها في نفسه.
فلا مكسب بعد خسارة الإنسان لنفسه، فإذا كان حُبك لشخص سيصل بك إلى كُره نفسك، فلا داعي على الإطلاق لهذا الحُب الذي يخلق حاجزًا نفسيًا بينك وبين نفسك.