"نرم" "فصيل" "بعد إذن البوليتيكال كوركتنس" "حتى الضحك صعبتوه علينا؟" قائمة طويلة من التعليقات الساخرة تدور ببالك وأنت تحاول كتابة تعليقًا عقلانيًا على "بوست" لا يتوافق مع قيمك أو يحمل معلومة خاطئة أو حتى لامس جرحًا داخلك فأزعجك وشعرت برغبة في توضيح وجهة نظرك بشأنه. ويصبح عليك أن تقرر في لحظة هل تكتبه وتنشره وتتحمل ذلك "الصداع" الذي يتبعه؟ أم تحذفه وتبتلع الكلام وتقرر الاحتفاظ به لنفسك؟
تحديات عدة نواجهها كل يوم على المنصات الرقمية في محاولة الحفاظ على قيمنا الخاصة والأخلاق التي تربينا عليها، خاصة لو كانت تربيتنا اعتمدت فقط على التخويف من الخطأ ولم تغرس داخلنا تلك القيم بطريقة تجعلنا نؤمن بها حقًا ونتبناها. فعلى الإنترنت يمكنك أن تقول أي شيء دون كشف هويتك، وهناك حاجز يمنع عنك ردود الفعل المحرجة ولن تتلقى ممن حولك تلك النظرة اللائمة التي توقظ ضميرك إذا انطوى تعليقك الساخر على إهانة أو تجاوز حدود اللياقة، بل على العكس ربما تلقى تشجيعًا من الآخرين فمن ذا الذي يتجرأ على أن يفسد النكتة ويحمل لقب "فصيل" أو "نرم" أو يتهم بالإفراط في ممارسة الصوابية السياسية إلى حد السماجة؟
لا يتعلق الأمر بالتحديات الأخلاقية فقط، فإلى جانب إغراء التنمر السهل وغياب العواقب وسهولة نشر الأخبار الكاذبة أو المعلومات المضللة، يواجه من يدمن التواجد على السوشيال ميديا تحدي عقلي حقيقي مع "إدمان الدوبامين"، فقد سبق وحذرت طبيبة روسية متخصصة في الأمراض العصبية أن الاستخدام المستمر للشبكات الاجتماعية يؤدي إلى زيادة إفراز هرمون الدوبامين، هرمون السعادة، في ما يعرف بإدمان الدوبامين. وأشارت لوبوف بلاغوداريفا إلى أن هذا الإدمان يسبب زيادة في القلق، واضطرابات النوم، وتدهور الأداء. وأكدت أن التعلق بوسائل التواصل الاجتماعي يعتبر إدمانًا للدوبامين، حيث يبحث المخ طيلة الوقت عن محتوى مثير وممتع أو مفيد ويفرز جرعات صغيرة من الدوبامين بسرعة، مما يؤدي إلى الإدمان عليه.
ربما يفسر "إدمان الدوبامين" ذلك الانتشار الواسع للأخبار الكاذبة والمعلومات المضللة ورفض ناشريها أي محاولات لتصحيح المعلومة أو حتى معرفة الحقيقة، لأن الحقيقة ببساطة لا تتمتع بتلك الإثارة ولن تمنحهم ذلك الانتشار والتفاعل ومن ثم الدوبامين الذي تمنحهم إياه الشائعات والمعلومات غير الحقيقية. ولا يتعلق الأمر بالأخبار السياسية وحسب وإنما يمتد حتى للأخبار الطريفة والمعلومات عن الحيوانات أو حتى الطعام!
إلى جانب ذلك يأتي الضغط الاجتماعي على الإنترنت خاصة بين الشباب والمراهقين الذي يدفع الكثيرين إلى التصرف بطريقة معينة أو تبني آراء معينة دون التوقف لحظة للتفكير في مدى إيمانهم بها، فهم بحاجة ماسة إلى التماشي مع "التريند" ومواكبته خوفًا من النبذ أو الرفض في محيطهم.
قائمة التحديات التي تواجهها القيم الحقيقية الأصيلة تطول، ونظل دائمًا بحاجة ماسة إلى من يواصل دق الناقوس، لا يمل من تذكيرنا بالقيم والأخلاق النبيلة التي تربينا عليها، ولا يخاف أن يتصدى لـ"التريند" برأي صادق مخالف لما يتكرر وينتشر، ولا يخاف من الوصم بأنه "دقة قديمة" أو "نرم"، ويشعر بالفخر دائمًا حين يفسد النكتة حين يكون الثمن في المقابل التصدي لهدم قيمنا تدريجيًا وألا يصبح الخطأ مقبولاً ومستساغًا وعاديًا في نظرنا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة