ضربة البداية من الدكتور أسامة الأزهرى وزير الأوقاف الجديد موفقة للغاية. الوزير قرر فتح عدد من الملفات المسكوت عنها داخل الوزارة والمساجد التى تتبعها وخاصة ملف الأذان والمؤذنين داخل هذه المساجد.
وحسب المعلومات المتاحة فهناك حوالى 140 ألف مسجد وزاوية على مستوى الجمهورية، منها 100 ألف من المساجد الجامعة الكبيرة بحوالى 100 ألف مئذنة. والأذان داخل هذه المساجد وحتى نهاية السبعينات والثمانينات، كان ملايين الناس ينتظرونه وخاصة فى المساجد الكبيرة التى كان يؤذن فيها كبار الشيوخ أصحاب الأصوات المصرية الجميلة التى تهز الوجدان وتسكن القلب كأنها أصوات من السماء ما بين أصوات الشيخ محمد رفعت والشيخ على محمود والشيخ عبد الباسط عبد الصمد والشيخ محمود خليل الحصرى والبنا والمنشاوى وعبد العظيم زاهر وأبو العينين شعيشع وغيرهم من أساطير وسلاطين مدرسة القراءة المصرية للقرآن والأذان التى لا يعلى عليها، والتى سيطرت على أسماع ووجدان العالم العربى والإسلامى كله. المدرسة التى صدح منها أول صوت لقراءة القرآن والأذان فى الحرم المكى والمسجد النبوى بعد التحديث والتطوير ومدهما بمكبرات الصوت والميكروفونات وهو صوت الشيخ عبد الفتاح الشعشاعى عام 1948 ثم من بعده الشيخ الحصرى والشيخ عبد الباسط والشيخ مصطفى إسماعيل وباقى أساتذة المدرسة المصرية وكتيبة "أصوات السما."
فى الثمانينات بدأ يتسلل إلى مساجد مصر وإلى آذان المصريين أصوات غريبة لا علاقة لها بالبيئة الاجتماعية والثقافية وبالوجدان المصري...أصوات جافة ترتبط ببيئة مغايرة ومختلفة عن البيئة المصرية فى كل شىء، خالية من العذوبة والمقامات الموسيقية البديعة التى تتميز بها المدرسة المصرية.
الأمر الغريب والمدهش أنه لم يلفت أحد انتباهه إلى الوافد الجديد فى القراءة والأذان الذى حاول احتلال مساحات من وجدان المصريين وأسماعهم وقلوبهم بدلا من عظماء القراءة المصرية، كأحد أهم أدوات القوى الناعمة لمصر.
الأذان الصحراوى تسلل من الزوايا والمساجد الصغيرة إلى المساجد الكبيرة فى مصر، ومنها مسجد الشيخ الحصرى وهو أحد المساجد الكبرى فى محافظة الجيزة ويقع فى الميدان الذى يحمل اسمه وهو مركز مدينة 6 أكتوبر. و تم افتتاحه عام 2002 ويتسع لحوالى 1000 مصلٍ وهو أيقونة للفنون والعمارة الإسلامية وليس مجرد مسجد، وإنما جمعية للخدمات الدينية والاجتماعية والصحية تترأسها السيدة ياسمين الخيام.
السؤال الذى كان- وما زال- يردده الآلاف من العابرين للميدان أو سكان المدينة منذ سنوات طويلة، هو لماذا يغيب الأذان بصوت الشيخ محمود خليل الحصرى عن مسجده؟. وهل هناك أروع ولا أجمل ولا أحلى ولا أخشع من صوت الشيخ الحصرى وأذانه البديع بالمقامات الموسيقية وخاصة مقام الصبا؟.
إذا كان المسجد قد تم بناؤه تكريما وتخليدا للشيخ الحصري( 1917-1980) صاحب الحنجرة الذهبية وأحد قادة وأعمدة مدرسة القراءة والتلاوة المصرية وشيخ عموم المقارئ المصرية والذى قرأ القرآن الكريم فى القصر الملكى فى لندن، وأمام الرؤساء والملوك، وهو أول من سجل المصحف المرتل بصوته، والحاصل من الزعيم عبد الناصر على وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى فى عيد العلم عام 1967، فما السر فى ألا يكون قراءة القرآن داخل المسجد والأذان بصوته الذهبى الذى يعبر الأسماع إلى القلب والوجدان مباشرة؟.
ملف إعادة الأصوات الحسنة لرفع الأذان خاصة بالمساجد الكبرى فى مصر هو أحد الملفات المهمة والضرورية التى قرر الدكتور أسامة الأزهرى وزير الأوقاف الاهتمام بها كخطوة حيوية حتى تستعيد مدرسة القراءة والأذان المصرية مكانتها مرة أخرى، كأحد الطقوس الدينية الرائعة للبيئة المصرية ولوجدان المصريين والفطرة المصرية.