مهما حاولت فإنني لا أستطيع تخيل كيف فعلها يزيد بن معاوية وقتل الإمام الحسين بن علي، رضى الله عنه وعن أبيه، نعم أعرف أن الأمر معقد، فبينما كان الحسين صورة من جده الكريم، عليه السلام، كان يزيد كما وصفه الدكتور طه حسين صورة من جده أبي سفيان بن حرب، فهو شخص مسكون بالقبلية والرغبة في السيطرة والملك، لكن مع تهوره واندفاعه ألم يكن حوله رجل رشيد يقول له "كيف تلق الله بدم الحسين؟".
لا أتخيل كيف أن يزيد أعماه طمعه وساقه الخوف لارتكاب فعلته، لقد كانت أمامه طرق أخرى يتجنب فيها قتل الإمام، كأن يرده إلى مكة، أو أن يحدد إقامته مثلا، لكن عندما يشاء الله لإنسان الفضيحة يسلطه على نفسه، فيرتكب الحماقات ويحرق المراكب التي قد تنجيه يوما، وهكذا فعل يزيد، أعمته السلطة، لأنه يعرف أن ما هو فيه ليس حقه، فكيف له أن يكون أمير المؤمنين في حضرة الكرام مثل الحسين بن علي وعبد الله بن الزبير، إنه يعرف أنه لو أقيمت مقارنة فلن يثبت فيها، لذا سولت له نفسه فارتكب حماقة مقتل الإمام ثم أتبعها بحماقة أخطر وهي استباحة مدينة الرسول عليه الصلاة والسلام والمعروفة في التاريخ باسم "موقعة الحرة".
الأمر الآخر عندما أفكر في جدوى ما فعله يزيد، لا أجد سوى الخسران المبين، فبعدما ساق ذلك الأموي جيوشه ورجاله لقتل حفيد النبي، عليه الصلاة والسلام، ما الذي جناه؟ لا شيء، لم يحكم سوى أربع سنوات، ومات في الأربعين من عمره، وهناك من قال بل مات في السادسة والثلاثين فقط، وخرج الحكم من بيته وذهب لبيت مروان بن الحكم، أي أنه لم يجن من قتله للحسين سوى ارتباط اسمه بهذه الكارثة التي لن تزول.
مات يزيد بن معاوية في سنة 64 هجرية أي بعد 3 سنوات من استشهاد الإمام، وانقضت أيامه، ولم يبق من تاريخه سوى ما اقترفت يداه، ففي كل عام في ذكرى استشهاد سيد شباب أهل الجنة يتذكر الناس يزيد بن معاوية بوصفه القاتل الملطخة يده بالدم الشريف، ويتذكرون الحسين الحق في مواجهة الباطل.