لم يعد من السهل التفرقة بين العالم الطبيعى، والعالم الافتراضى، ولا حدود للتريند، أو حواجز بين الحياة العامة والخاصة، بالنسبة للإنسان الطبيعى، وبشكل خاص لهؤلاء الذين يتخذون من العالم الافتراضى أداة لكسب العيش وتحقيق الأرباح، بصرف النظر عما يقدمونه من محتوى، وقد تسربت أسماء ومصطلحات من العالم الافتراضى إلى الطبيعى، ومنها إلى صفحة الحوادث، ونقصد تحديدا حجم ما أصبحت صفحات الحوادث تحمله من عناوين لقضايا وتحقيقات ومشكلات وحوادث، بعضها يتجاوز الجرائم إلى النصب أو التشهير والقذف والسب.
يكفى أن نقوم بجولة عشوائية فى عناوين الأخبار الخاصة ببشر افتراضيين دخلوا إلى العالم الواقعى من صفحات الحوادث لنعرف أن هناك مهنا ووظائف لم تكن موجودة وأصبحت تحتل مجالها وتفرض نفسها وتمثل نموذجا يسعى بعض الطموحين للوصول إليه من هذه العناوين «براءة نجل يوتيوبر شهير من التعدى على بلوجر فى المقطم.. الحكم على بلوجر بتهمة الاعتداء على يوتيوبر.. بلوجر تقاضى فيسبوك.. يوتيوبر يشكو جاره بسبب اتهامه بالاعتداء عليه، يوتيوبر تشكو زوجها وتتهمه بتسريب فيديو خاص.. اتهام يوتيوبر وبلوجر بالنصب على مستخدمى الشبكة» هذه مجرد عينات، تحمل مهنا أصبحت جزءا من الواقع، وقد لا تعنى شيئا للمواطن العادى.
وليست المرة الأولى أو الأخيرة، أن تصبح الكاميرا فاعلا فى الأحداث، وأن يثير نشر فيديو أو صورة جدلا ويتسبب فى مشكلات وقضايا، بسبب غياب الفصل بين الخاص والعام، ومساحة الحرية المتاحة للفرد خارج حدود منزله، وحتى داخله، ولا قيمة للموت أو العشرة فى ظل غريزة الشهرة والتشهير، تفاصيل حياة الأزواج والزوجات، وخصوصيات العلاقات الأسرية، وقد تبلغ الرغبة فى الانتقام مداها، مثلما حدث مع بلوجر سرب فيديو لزوجته السابقة إلى اليوتيوب وتسبب فى فضحها، لنرى الانتقام بكل ما يحمله من قسوة وكراهية، كل هذا وأكثر أصبح معروضا أمام الناس فى الداخل والخارج، وبعض من يذهبون إلى الانتقام لا يحسبون تأثير هذا على الشخص والمجتمع وحتى من يتورط فى سلوكيات خاطئة، تحت دافع الشهرة أو النجومية، يجد «سكرين شوت» فى انتظاره، أو فيديو تم التقاطه خلسة سيفا مسلطا عليه.
ونحن هنا نتحدث عن الجرائم والأخطاء والسلوكيات العادية، وليس عما يمكن أن يفعله الذكاء الاصطناعى من خطوات إضافية تعيد تقديم العالم، وهنا نحن فى عصر تصبح فيه التكنولوجيا ليس فقط سلاحا ذا حدين، لكنها سلاح يمكن أن يدمر أفرادا وأسرا.
وهو ما يجعل النقاش متجاوزا للخصوصية والحدود الفاصلة بين العام والخاص فيما يتعلق بحياة الآخرين، وأيضا بتفاصيل حياة الأسرة ذاتها، حيث يمكن أن يصبح أى احتفال أو فرح أو رحلة، مناسبة للنشر والعرض والقتل المعنوى، ومع الوقت يفقد الجمهور اندهاشه، ويطلب المزيد، والجمهور هنا ليس الجميع، لكنه العدد الكافى لصناعة التريند، وهو الفاعل أو الجمهور الذى يغذى النميمة ورغبات الانتقام والقتل والتشهير، مع أنه نفسه أو جزء منه يرفض ويستنكر وهو يمارس اللعبة والفرجة والشير، لدرجة أنه لم يعد مثيرا للغضب أو الدهشة أن يستعرض شاب على حسابه بتيك توك مقاطع من احتضار والده وموته حتى وصوله للمقابر، والتباهى بهذا وبنسب المشاهدة ودعوات الجمهور، بل وحتى شتائم واستنكار البعض أصبحت تصب فى نسب المشاهدة، المهم أن يرى العائد، ولا فرق بين قصة موت الأب، أو زواج وطلاق، تجعل الأسرة كلها تريند وموضوعا للاستعراض والاستهلاك الافتراضى والطبيعى، وصولا إلى صفحات الحوادث.
فى الماضى كان الاتهام يتوجه للإعلام، أنه وراء البحث عن النميمة والفضائح، الآن أصبح أطراف العلاقة هم من يقدمون المادة الخصبة للنميمة، ويحرصون على «الفضيحة» من أجل الربح، والتشهير من أجل الشهرة.