يعتبر قطاعا الزراعة والرى والأنشطة المرتبطة بهما أحد أهم الركائز الأساسية فى اقتصاديات الدول فى دعم ملف الأمن الغذائى بمحاوره المختلفة، نظرًا لأنهما المسئولين عن توفير الاحتياجات الأساسية للشعوب، وتوفير المواد الخام اللازمة لكثير من الصناعات، إضافة إلى مساهمتها الملموسة فى الناتج المحلى، كما أنهما آليه مهمه لتوطين التنمية الاحتوائية والمتوازنة والمستدامة، وأكثر القطاعات استيعاباً لفرص التشغيل.
ويلقى قطاع الزراعة فى الدولة المصرية دعما كبيرا من القيادة السياسية يتمثل ذلك في حجم المشروعات القومية الكبري التى تم انشاؤها والمرتبطة بالزراعة خاصة مشروعات الدلتا الجديدة العملاقة ، ومشروع تنمية شمال ووسط سيناء ومشروع تنمية الريف المصرى، بالإضافة الي المشروعات الأخري في جنوب الصعيد والوادي الجديد والتي تستهدف استصلاح وزراعة أكثر من 3.5 مليون فدان خلال الفترة القصيرة القادمة، أيضاً مشروعات التوسع الرأسى التي تستهدف زيادة الإنتاجية من المحاصيل والمنتجات الزراعية وتحسين الممارسات الزراعية، واستنباط أصناف وهجن تتكيف مع التغيرات المناخية، بالإضافة الى زيادة ضخ وتوجيه الاستثمارات والدعم في القطاعالزراعى والأنشطة المرتبطة به في الثروة الحيوانية والسمكية والداجنة .
وهناك تأكيد مستمر من القيادة السياسية على الدور الحيوى الذى يقوم به قطاع الزراعة في الاقتصاد القومى والمتابعة المستمرة للمشروعات في هذا القطاع خاصة، وأنه قطاع مرن وقادر على تحمل الصدمات والإنتاجية والنمو فيه متسارع وكان لذلك أثر مهم في ادراجهذا القطاع ضمن القطاعات التي سيتم فيها الإصلاحات الهيكلية لرفع نسبة مساهمته في الناتج المحلى الاجمالى.
وقد كان من نتيجة ذلك أن ساهم القطاع الزراعى بنسبة تزيد عن 15 % من الناتج المحلى الاجمالى حيث يستوعب القطاع أكثر من 25 % من القوى العاملة ، كما أنه مسئول عن تحقيق التنمية الاحتوائية والمتوازنة و يساهم في أهم هدفين من أهداف التنمية المستدامة وهما القضاء على الجوع والفقر، كما أنه يساهم في زيادة النقد الاجنبى من خلال زيادة تنافسية الصادرات الزراعية المصرية سواء الطازجة أو المصنعة إذ بلغت نسبة مساهمته في الصادرات السلعية بنسبة تصل إلى 20%.
وتواجه الحكومة القادمة عدة تحديات فى القطاع الزراعى، أهمها ارتفاع معدلات النمو السكانى ونقص المياه والتغيرات المناخية ونقص التكنولوجيا المتقدمة وارتفاع مدخلات الانتاج وتسويق المحاصيل، وتفتت الحيازة.
ورغم أهمية قطاع الزراعة في تدعيم ملف الأمن الغذائي إلا أنه يواجه العديد من التحديات أهمها محدودية الأرض الزراعية وتناقص نصيب الفرد منها ، والذى وصل إلى ما يعادل 2 قيراط للفرد مقابل فدان للفرد في فترات زمنية سابقة وذلك نتيجة استمرار التعديات على الأرض الزراعية والزحف العمرانى، رغم ما تقدمه الدولة من حلول جذرية في تقديم مشروعات إسكان بكافة مستوياتها "9,7 مليون فدان " ، ومحدودية المياه اللازمة لتلبية النمو المتزايد في التوسع في الرقعة الزراعية من مشروعات التوسع الافقى والتفتت الحيازى للأرض الزراعية، والذى يعد من اكبر المشاكل التي تعوق تطبيق السياسات الزراعية وترفع من مستوى التكاليف، وتقلل من العائد الاقتصادى وتزيد من الفاقد والآثار السلبية المتوقعة للتغيرات المناخية، باعتبار أن قطاع الزراعة من أكبر القطاعات تأثراً بها سواء من حيث الإنتاجية، أو من حيث استهلاك المياه أو تغيير نظم ومواعيد الزراعة أو زيادة ملوحة التربة والتأثير من المناطق الهامشية ويعمق من زيادة تأثيرات هذه التحديات مشكلة الزيادة السكانية.
ولعل المشكلة الأساسية التي توجه قطاع الزراعة في مصر الآن، هى نقص المياه التى تمثل عائقا أمام التوسع في استصلاح أراضي جديدة لزيادة الرقعة الزراعية التى ترتبط بتدبير موارد مائية .
يشار إلى أنه تم تنفيذ مشروع تبطين الترع لتوفير المياه كما تم تحويل بعض الأراضي للرى الحديث وإقامة محطات لتحلية مياه البحر ومعالجة مياه الصرف الزراعي، لذلك نفذت الدولة مشروعات لمعالجة مياه الصرف الزراعى بدءا بمحطة المحسمة التي حصلت على أفضل مشروع لعام 2019 ثم محطة معالجة مياه الصرف الزراعى من مصرف بحر البقر والتي تعد أكبر محطة لمعالجة مياه الصرف الزراعى في العالم، و يجرى تنفيذ محطة أكبر لتغذية مشروع الدلتا الجديدة العملاق .
ويواجه قطاع الرى تحديات كبيرة تتمثل في الزيادة السكانية وثبات الموارد المائية وهو ما أدى لتراجع نصيب الفرد من المياه في مصر ليصبح في حدود 500 متر مكعب للفرد، وفى الوقت الذى تبلغ فيه إحتياجات مصر المائية حوالى 114 مليار متر مكعب من المياه سنوياً تقدر موارد مصر المائية بحوالي 59.60 مليار متر مكعب سنوياً مع إعادة إستخدام 20.90 مليار متر مكعب سنوياً من المياه ، وإستيراد محاصيل زراعية من الخارج تقابل إستهلاك مائى يُقدر بحوالي 33.50 مليار متر مكعب سنوياً من المياه ، وتنفيذ العديد من المشروعات الكبرى في مجال إعادة إستخدام مياه الصرف الزراعى .
ومع الزيادة السكانية وثبات الموارد المائية واستهلاك القطاع الزراعى للجزء الأكبر من الموارد المائية فقد أصبح من الضرورى الإعتماد على تحلية المياه مستقبلاً تحقيقاً لمفهوم الترابط بين المياه والغذاء والطاقة ، شريطة تطبيق منظومة متكاملة تتضمن إستخدام الطاقة الشمسية في التحلية لتقليل تكلفة الطاقة ، والإعتماد على أساليب متطورة في الزراعة تحقق أعلى إنتاجية محصولية بأقل وحدة مياه ، مع تعظيم الإستفادة من المياه شديدة الملوحة الناتجة عن عملية التحلية فى تربية الروبيان الملحى "الأرتيميا" أو إستخراج معادن مهمة من هذه النواتج وهو ما يتم دراسته حالياً من العديد من الباحثين في مصر والعالم .