على مدار عقود من الزمان ظلت فكرة التكامل والتشبيك بين منظمات المجتمع المدني في مصر تتم في أضيق الحدود الممكنة، وكثيرًا ما كان يشوب تلك التجمعات بعض علامات الاستفهام إما عن أهداف تلك التجمعات أو جدوى القضايا التي تتبناها حتى ظهر إلى النور "التحالف الوطني للعمل الأهلي التنموي" ليلقي حجرًا في الماء الراكد، وليقدم تصورًا ملائمًا للتطور الذي لحق بالعمل التنموي على المستوى الإقليمي والدولي.
لطالما كانت الشكوى من أن الجمعيات والمؤسسات قد تخدم نفس الشخص في نفس القرية وهي لا تعلم بأن هناك مستحقين آخرين في نفس القرية أو في قرى مجاورة، ولم يكن مستغربًا في العمل التنموي في مصر أن تمر بعض الأحداث الجسام مثل الإبادة الجماعية لأهلنا في فلسطين دون أن يكون هناك شحذ لكافة الهمم وتنسيق بين كافة الجهود لتخرج قوافل "التحالف الوطني" أولها شباب وفتيات مصر يجهزون تلك التبرعات في "القاهرة" ونهاية القافلة داخل أرض "فلسطين" في "غزة".
دائمًا ما كنت أشعر بأن قرى مصر ونجوعها لا تستحق أن يصل إليها العمل الأهلي أو الخيري في المواسم فقط، بشنطة رمضان أو كسوة الشتاء، ثم تنقطع تلك المساعدات حتى نفس التوقيت من العام المقبل، وهنا كان التحالف في الموعد حين حول تلك المساعدات من تبرعات متبعثرة، ومجهود يشكر القائمون عليه بالتأكيد ولكن كأننا كنا نعيد اختراع عجلة المساعدات والتبرعات ودعم المحتاجين كل عام دون جدوى.
لقد كان أداء التحالف الوطني للعمل الأهلي التنموي مشرفًا في العديد من المحكات الصعبة في ظل أزمات اقتصادية عاصفة كان أثرها صعبًا على محدودي الدخل، وهنا كان للتكامل بين الجمعيات والمؤسسات الكبرى في مصر دور كبير في التخفيف من تلك الأزمات، ولا يمكن نسيان دور التحالف في التعاون مع مؤسسة حياة كريمة لتحويل ذلك المشروع القومي "الحلم" إلى حقيقة واقعة ومؤشرات فقر بدأت في التراجع.
أهم ما ميز العمل في التحالف الوطني هو أنه عمل مؤسسي محوكم، يتحرك وفق استراتيجية واضحة وأهداف محددة ومبادرات تغطي كافة القضايا من محاور التمكين الاقتصادي والدعم الصحي ودعم التعليم والدعم الاجتماعي والغذائي، بالإضافة إلى الدعم النقدي، ولذا لم يكن مستغربًا بعد كل ما سبق أن يستفيد من تلك الجهود قرابه الـ 28 مليون 883 الف و 796 مستفيد في مختلف المحاور خلال النصف الأول من العام الجاري فقط.
وتظل الآمال معلقة بشكل أكبر على التحالف الوطني للعمل الأهلي التنموي ليس فقط في خدمة الفئات المحتاجة ولكن في نقل تجربة الحوكمة الإدارية والعمل المؤسسي إلى كافة مؤسسات المجتمع المدني في كل ربوع مصر، ليكون التحالف بحق "قاطرة العمل التنموي والأهلي" في مصر في ظل الجمهورية الجديدة.