المكسب حُلم كل إنسان، فمَنْ يُريد أن يخسر؟ ولكن هل يمكن أن يكون المكسب مُتساويًا مع الخسارة، أعتقد أنها مُعادلة بها شيء من الصعوبة، ولكنها حقيقة ملموسة تحدث لنا في الحياة، عندما تأخذنا العزة بالإثم ونُصر أن نخرج مُنتصرين بأي ثمن، فهنا قد يأتي الطرف الآخر ويُردد بثقة: "مبروك عليك كسبت الجولة وخسرتني"، فهنا يتحول المكسب إلى خسارة مُحققة.
إذا أردت أن تكسب، فعليك أن تحسب ما بعد المكسب، ولا تقف عند مرحلة المكسب فحسب، لأن النتائج أهم من تلك المرحلة، والمكاسب الحقيقية تكمن فيها، فكم من شخص خسر أعزّ الناس إليه بسبب إصراره على إحراز المكسب في الحوار، وهنا يستشعر أنه خسر كل شيء، فللأسف، هناك أمور يجب ألا تُقاس بحسبة المكسب والخسارة البحتة، بل تحتاج إلى حسابات إنسانية ونفسية أخرى، ولذا نجد أشخاصًا كانت تجمعهم علاقة صداقة حقيقية، وانتهت في لحظة، بسبب تعنت أحدهم ورغبته الجامحة في إحراز نقطة على حساب الآخر، فتسبب في إحراجه أو إهانته، فكانت النتيجة مسكب لحظة، وخسارة سنوات. فعندما تتملك من الإنسان شهوة الانتصار، عليه أن ينظر إلى ما بعد هذا الحصاد، ربما يكون هزيمة مُحققة يصعب درءها، وتظل لصيقة بصاحبها على الدوام.
لذا سمعنا عن أشخاص كثيرين يُرددون عبارة: "لقد خسرت من أجلك"، والمقصود هنا قرار الخسارة من أجل كسب ما هو أهم، وهو العلاقة الطيبة، والشعور الإنساني، وبالمُناسبة فهذا القرار يكون من وجهة نظر صاحبه أعظم قرار على الإطلاق، لأنه قرر أن ينظر إلى مسافة أبعد من الحيز الذي يقف فيه.
فصدقوني، لحظة الكبرياء التي تنتاب الإنسان، ويُقرر على صداها إحراز النصر على حساب كل شيء، هي أكثر لحظة يخسر فيها كل شيء، ويظل يندم عليها طيلة حياته، وعندما تُواتينا تلك اللحظة، علينا باستجماع كل ثنايا عقلنا، وخلجات مشاعرنا، وأن تكون نظرتنا مُستقبلية، فنقهر هذا الشعور ونُسيطر عليه، ونفوز بأنفسنا وبمَنْ يهمنا استمرار علاقتنا معهم، لأن هناك معانٍ إنسانية لا يُعوضها مليون نقطة مكسب، فما بالنا بنقطة مكسب واحدة، يخسر على إثرها الطرفين.