أمام ثورة يوليو 1952، انكشف الإخوان للمرة الأولى، قبل أن ينكشفوا للمرة الأخيرة فى 30 يونيو 2013.
كانت الجماعة ترى فى ثورة يوليو مناسبة للقفز على حكم مصر أو على الأقل ممارسة وصاية على الحاكمين لتسيير البلاد وفقا لهوى المرشد العام وإلا فالبديل هو الصدام مع السلطة والدولة والمجتمع، وهى نفس المعادلة تقريبا التى أعيد استخدامها فى يونيو 2013 «يا نحكمكم يا نقتلكم».
لم تسر العلاقة بين الجماعة والثورة على وتيرة واحدة، فى البدء كان التعاون ثم بدأ الخلاف بمرور الأحداث حتى قررت الجماعة اللجوء للعنف فى حادث المنشية ومحاولة اغتيال جمال عبدالناصر.
الغريب أن الجماعة حاولت مرارا وتكرارا التنصل من الحادث وروجت لسردية تقوم على أن الحادث ليس أكثر من مسرحية دبرها عبدالناصر وسلطته حتى يتمكن من التنكيل بالجماعة والزج بهم فى السجون.
فى هذا السياق تبرز أهمية شهادة يوسف القرضاوى بما له من ثقل داخل الإخوان عن الحادث، لأنه اعترف بما كانت تنفيه وهذا الاعتراف جاء فى أكثر من موضع أشهرها على الإطلاق عندما استضافته قناة الجزيرة فى لقاء كان عنوانه «هل الإخوان إرهابيون؟»، وحاول وقتها القرضاوى أن ينفى تهمة الإرهاب عن الجماعة مستعرضا تاريخها، وكان من الطبيعى أن يتوقف أمام حادث المنشية، فنفى فى البداية علاقة الجماعة به، ثم استدرك قائلا رأيه حول هذه الواقعة، فقال القرضاوى: «الذى أراه أن هذا الأمر مسؤول عنه هنداوى دوير ومجموعته وهم 4 أو 5 فقط».
وأضاف القرضاوى: «أنا أعرف هنداوى دوير وجلست معه مرارا، وهذا هو تفكيره أن النظام كله قائم على عبدالناصر، وإذا زال عبدالناصر انتهى النظام، وأن عبدالناصر يحتاج إلى رصاصة يضربها شخص يجيد إطلاق الرصاص ووقتها ينتهى النظام ويسقط، ثم علق قائلا: «هذا تفكير هنداوى دوير وهو المسؤول عن هذا».
أما فى مذكراته المنشورة على موقعه بعنوان «سيرة ومسيرة» فقد قال عن حادث المنشية: «إنها فى رقبة هنداوى دوير رحمه الله، الذى أراد أن يقوم عن الجماعة بتنفيذ ما فرَّطت فيه فى نظره! ومن يدرى ربما لو نجحت خطته لأصبح من الأبطال، وعدّ منقذا للدعوة».
وهنداوى دوير لمن لا يعرفه هو رئيس منطقة إمبابة بجماعة الإخوان وكان يعمل محاميا بمكتب جهاد عودة الرمز الإخوانى البارز.
ويقر القرضاوى أيضا فى مذكراته أن هنداوى دوير اعترف بكل شىء حيث يقول: «وبقدر اندفاعه فى التدبير والتنفيذ، كان اندفاعه وانهياره السريع عند فشل الخطة، ويظهر أنه أيقن أن كل شىء قد ضاع، ولم يبق إلا أن يقر ويعترف بكل شىء، فسارع إلى تسليم نفسه طوعا واختيارا».
ورغم دموية الحادث وما تبعه من إجراءات شملت محاكمات لقيادات الجماعة وعناصرها، فإن الثورة أظهرت وجها إنسانيا فى التعامل مع الإخوان، فمثلا بحسب ما ورد فى كتاب عبدالرحمن الرافعى عن ثورة يوليو فإن عدد من تم إلقاء القبض عليهم بعد عام من حادث المنشية كان قد وصل إلى 2943 عنصرا وخلال عام واحد انخفض هذا العدد إلى 571 فقط.
أيضا تم تخفيف الحكم بالإعدام عن عدد من القيادات المهمة أبرزهم على الإطلاق حسن الهضيبى مرشد الجماعة، حيث أصبحت العقوبة هى السجن المؤبد بدلا من الإعدام، ولاحقا تم الإفراج عنه لأسباب صحية.
بل إن سيد قطب الذى صدر عليه وقتها حكم بالسجن لمدة 15 سنة قضى فترة عقوبته بالكامل فى مصحة السجن قبل أن يتم الإفراج عنه بوساطة من الرئيس العراقى عبدالسلام عارف فى مايو 1964 وخلال هذه الفترة كان قد قرأ مئات الكتب وألف أهم مؤلفاته وهو داخل السجن منها مثلا عدد من أجزاء كتابه «فى ظلال القرآن»، وكتاب «خصائص التصور الإسلامى»، «الإسلام ومشكلات الحضارة»، و«هذا الدين»، و«المستقبل لهذا الدين» كل هذه الكتب ألفها داخل السجن، وهو ما ينفى تعرضه لأى إساءة.
اللافت أن سيد قطب نفسه لم يضع اعتبارا لهذه النزعة الإنسانية التى عاملته بها الثورة، فكان أهم عمل انخرط فيه بمجرد خروجه من السجن هو تشكيل تنظيم 1965 المنسوب إليه محاولة إحداث تفجيرات وأعمال عنف فى البلاد، وهو ما يعترف به سيد قطب نفسه فى الوثيقة المسماة بـ«لماذا أعدمونى؟» ويفترض فيها أنها الإفادة التى قدمها للمحققين فى قضية تنظيم 1965 التى انتهت فيها الأحكام إلى إعدامه.
ويعترف سيد قطب فى هذه الوثيقة، بأن مناقشات جرت بين أفراد مجموعة تنظيم 1965، تطرقت إلى فكرة تدمير القناطر الخيرية الجديدة وبعض الجسور والكبارى كعملية تعويق، وأنهم استبعدوا الفكرة، وتم الاتفاق على تدمير بعض المنشآت فى القاهرة لشل حركة الأجهزة الحكومية، ويقول: «وكانت تعليماتى لهم ألا يقدموا على أى شىء، إلا إذا كانت لديهم الإمكانات الواسعة».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة