فى مثل هذا اليوم منذ 72 عاماً استيقظ الشعب المصرى على عودة الحياة إليه من خلال بيان بالإذاعة المصرية لمندوب القيادة آنذاك البكباشى "أنور السادات" صحيح أنه استمر لمده دقيقتين ونصف إلا أنه كان صوتا صادما للجميع خاصة بعدما سمع الجميع بمصر وخارج مصر جملة "لقد اجتازت مصر فترة عصيبة، والآن نحن على أعتاب فجر جديد" لتسود بعدها مشاعر عارمة مزيج من الصدمة والذهول والفرح المختلط بالعزة والكرامة التى طالما حرم منها المصريون لعقود فى ظل الحكم الملكى لمصر.
ورغم أنها مجرد لحظات ولدت بدون مسمى كمولود حديث عهد بدون اسم فيحملها الأديب "طه حسين" بأذرع إبداعه اللغوى ويمنحها لقب "الثورة المجيدة" إلا أنها مثلت بداية عصر ذهبى للفلاحين والكادحين آنذاك، الذين طالما عانوا أشد المعاناة من السخرة والظلم وفقدان مبدأ العدالة الاجتماعية، فتأتى تلك اللحظات وتعصف بكل أشكال الإقطاع مستردة لكل المصريين كرامتهم ومسترجعة كنوز بلادهم المادية، والتى تجلت بقرار تأميم قناة السويس على يد الزعيم جمال عبد الناصر وتعيش بعدها الأجيال حاصدة كنوز نهضة تجارية صناعية كان يستأثر بها الأجانب والإنجليز المحتلين دون وجه حق .
وهنا علينا أن نذكر جانبا لجماعة الإخوان الإرهابية وهو العادة فى فرض اسمها لا لشىء سوى لإجبار الجميع إما على الخضوع والاستسلام بنسب الثورة لها، وإما ببث الأكاذيب والمنشورات محاولة منها لإثبات فشلها تماما كما حدث فى ثورة يناير، ولكن تأتى شهادة التاريخ ناصفة للجيش المصرى من خلال كتاب إنجليزى يحمل اسم "العلاقات السرية" للكاتب مارك كيرتس صدر مؤخراً فى عام 2010 أكد فيه المؤلف أن جماعه الإخوان نشأت على يد الاحتلال الإنجليزى لتتمدد بعد ذلك العلاقة بينهم على شكل تمويل وتخطيط مباشر من بريطانيا للجماعة بهدف إفشال المنطقة العربية والإسلامية بشكل عام وهدم مصر بشكل خاص بصفتها المحور الذى تستند عليه باقى دول الشرق الأوسط .
ليأتى اليوم ونتساءل ماذا لو لم تقم ثورة 23 يوليو؟
وحتى نصل للإجابة علينا أن نسترجع البداية وهى حادثة الـ25 من يناير والتى ذبح فيها ضباط الشرطة على يد الضباط الإنجليز بعدما حاصروا مركز شرطة الإسماعلية وانتهت بقتلهم جميعاً.
ليدق بعدها ناقوس تدهور الأوضاع بصورة غير مسبوقة فسرعان ما تندلع الحرائق بالقاهرة باليوم التالى، وسط مظاهرات غاضبة سادت فيها الفوضى ودمرت من خلالها مئات المحالات والمتاجر، ولم يكن بيد الملك فاروق بوقتها إلا محاولة فاشلة على أمل منه فى تهدئة الشارع المصرى وضباط الشرطة المتظاهرين أمام قصر عابدين ليعلن وقتها فاروق تشكيل وزارة جديدة على يد "على ماهر" ولكن سرعان ما يستبعده ليأتى بأحمد نجيب الهلالى على رأس الحكومة وتبدأ الفوضى وتستمر .
وبمجرد أفول عصر الملكية بمصر تظهر داخل الجيش حركة تتخذ طابعاً ثورياً تهدف قيادتها إلى أهداف إصلاحية من خلال ستة مبادئ أساسية وهى القضاء على الإقطاع والاستعمار وإعادة السيطرة على رأس المال، مع بناء حياة ديمقراطية سليمة، والأهم كان بناء جيش مصرى وطنى، دون قطرة دماء واحدة لتدخل التاريخ بعدها بأنها الثورة البيضاء التى لم ترق فيها قطرة دماء واحدة.
وهنا نصل للإجابة على السؤال.
فلولا ثورة 23 يوليو ما كنا نعيش الآن من مكتسبات سياسية أو تنموية أو اقتصادية مختلفة
فأول هذه المكتسبات هى وجود الجيش المصرى الذى ننعم بحمايته حتى الآن
فبعد هزيمة حرب 1948 والتى كشفت تورط الملك فاروق فيها بعدما أمر قادة الجيش بعدم التدخل فى معارك جدية نظراً لأنه أُحرج بالمشاركة فى الحرب من الرؤساء والملوك العرب نتكبد بها خسائر فادحة تعانى منها شعوب حتى الآن
وتنقسم بعد ذلك المكتسبات وتتعدد ما بين مكتسبات تنموية ومكتسبات سياسية .
فأول المكتسبات التنموية هو مشروع إنشاء السد العالى وما أحدثه من طفرة بالريف المصرى وما نتج عنه من ثروة ننعم بها حتى الآن بمجال الكهرباء والرى والزراعة.
إضافة إلى تعميم التعليم بشكل مجانى، فمن منا ينكر فضل ثورة يوليو بعد منحها فرص التعليم المجانى للجميع، ذلك التعليم الذى بفضلة بات لدينا "الدكتور مجدى يعقوب" والعالم الكبير "أحمد زويل" والعالم "فاروق الباز" وغيرهم من العلماء على الساحة الداخلية والدولية الآن.
وعن المكتسبات السياسية فبمجرد تحويل نظام الحكم فى مصر من حكم ملكى إلى جمهورى تغيرت ملامح الخارطة السياسية تماما ليست فقط فى مصر بل وفى الشرق الأوسط كله نظراً لتبنى الثورة فكرة القومية العربية والتى نتج عنها تدخل مصر على يد الزعيم "الراحل جمال عبد الناصر" بمساندة بعض الدول العربية وشعوبها فى التخلص من الاستعمار وبذلك أصبحت مصر تحتل مكانة الريادة بعد تأسيس جماعة دول عدم الانحياز تكون بعدها هى الدولة الأكثر تأثيراً بالشرق الأوسط حتى يومنا هذا .
وختاماً ستظل ثورة 23 يوليو واحدة من أكثر اللحظات الحاسمة فى تاريخ مصر الحديث، ليس فقط لكونها ثورة أدت إلى حدث سياسى فارق نعيش بظل إنجازاته وحصادة حتى الآن بل لأنها كانت بالأساس حلم سعت إليه أمة كاملة تطلعت فيه بتذوق نعمة الحرية والعدالة التغيير ما كان ليتحقق إلا على يد زعيم .
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة