أكرم القصاص

23 يوليو فى زمانها ومكانها.. تحولات الانحياز والاستقلال فى 72 عاما

الأربعاء، 24 يوليو 2024 10:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

رغم مرور 72 عاما على ثورة 23 يوليو، تظل حدثا مؤثرا بشكل متعدد وباتجاهات مختلفة، فقد كان لما جرى فى يوم 23 يوليو 1952، أثرا على مصر اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا، بما يتجاوز فعل ورد فعل، ومهما كان موقف الشخص منها تظل الأحداث ذات تأثيرات عابرة للأجيال ومؤثرة ومتفاعلة، وفى كل مرة وعام على مدى عقود جرت العادة أن ينشب نقاش يبدو أحيانا بلا أفق، حول تقييم حدث 23 يوليو، بطريقة لا تختلف عن تشجيع فرق كرة القدم، بينما مثل هذه الأحداث ليس فيها لو، وليس فيها تقييم بزمان غيرها، كل حدث يجرى تقييمه، بزمانه ومكانه وظروفه.

وفى حدث 23 يوليو، فقد قامت بعد سنوات من نهاية الحرب العالمية الثانية، والعالم ما زال يعانى من جروح وخسائر ودمار، والاستعمار القديم يلفظ أنفاسه، بينما تصعد قوى ناهضة، شرقا وغربا، فى ظل حرب باردة تحمل شكلا أيديولوجيا، لكنها فى الأساس تعبير عن صراع قوى جديدة على النفوذ والثروات والولاءات، حرب باردة رفعت من صراع أيديولوجى ساخن، انقسمت أوروبا لمعسكرين، وحتى ألمانيا نفسها بقيت حتى عام 1989 منقسمة بين شطر شرقى تابع للسوفييت، وغربى مع أوروبا والولايات المتحدة.. قوى عظمى تتصارع على النفوذ، وتسعى لاستقطاب الدول المستقلة وبقايا استعمار يحاول التمسك بنفوذه.

سعى جمال عبدالناصر إلى استغلال هذا الاستقطاب، وسعى مع زعماء آخرين لإقامة منظمة عدم الانحياز، لتبقى الدول الناهضة قادرة على البقاء بعيدا عن الاستقطاب المباشر، عبدالناصر، وجواهر لال نهرو رئيس وزراء الهند، والرئيس اليوغوسلافى جوزيف بروزتيتو فى باندونج، سعوا لإقامة منظمة عدم الانحياز، بحثا عن استقلال فى ظل استقطاب، نجحوا أحيانا فى الحفاظ على الاستقلال، لكنهم انحازوا فى أحيان أخرى، كان مؤتمر باندونج الأفرو- آسيوى فى إندونيسيا هو أساس قيام حركة عدم الانحياز، من 18-24 أبريل 1955، وشهد تجمع 29 رئيس دولة ينتمون إلى الجيل الأول من قيادات الاستقلال بحثا عن سياسات مشتركة فى العلاقات الدولية، وانعقد المؤتمر الأول للحركة فى بلجراد عام 1961، وحضره ممثلو 25 دولة، ثم توالى عقد المؤتمرات ووصل عدد الأعضاء فى الحركة عام 2011 إلى 118 دولة، وفريق رقابة مكون من 18 دولة و10 منظمات.
هذه الدول التى أسست حركة عدم الانحياز، شهدت تحولات، فقد انهار الاتحاد السوفيتى، وانتهى حلف وارسو، وبقى حلف الناتو، وتغيرت أشكال الاستقطاب، وشهدت بعض الدول المؤسسة لعدم الانحياز تحولا وصل إلى درجة التفكك، لكن بقى حلم التحول.

سعت مصر بقدر الإمكان إلى الابتعاد عن التبعية، وحرصت على الاستقلال والتوجه نحو التنمية، واجهت الدولة انتصارات وانكسارات، لكنها جميعا يمكن النظر إليها فى زمانها ومكانها، واعتمد جمال عبدالناصر على نخبة السياسة والاقتصاد، وهى نخبة متعلمة ومثقفة تكونت فى الفترة الملكية، ولم يكن هؤلاء ينضمون إلى السلطة، ما لم يمتلكوا اقتناعا بأهمية بناء الدولة.

واعتمدت ثورة يوليو أيضا على تطوير الخبرات والبعثات والكوادر، فى بناء نظام اقتصادى واجتماعى، لم يخترع عبدالناصر الاشتراكية، وكانت الخيار الأقرب لأحوال دول حديثة عهد بالاستقلال، وحتى أوروبا ما بعد الحرب العالمية الثانية، واجهت زحف الاشتراكية وأنظمة اجتماعية وتعاونية، تعالج آثار الفقر والمجاعات بعد حرب عالمية مدمرة.

ولم تكن خيارات جمال عبدالناصر، نحو نظام اشتراكى اجتماعى، اختراعا، فقد كانت مطالب للطبقة الوسطى، وكانت أفكار طلعت حرب وطليعة الوفد تدفع نحو هذا الاتجاه، وجرى التوسع ببناء المدارس والمستشفيات والمساكن وبناء صناعات متنوعة ودعم القائمة منها، فقد كانت مجانية التعليم أحد أهم مطالب قطاعات عريضة من الوفد والأحزاب اليسارية، كما أن طه حسين أخذ على عاتقه، عند تولى وزارة المعارف، أن يكون التعليم الإلزامى مجانيا.

الشاهد أن 72 عاما على ثورة يوليو لا يمكن الحكم عليها فى زماننا، بل بقواعد وقتها ومكانها، وعالمها وأفكاره، ثم إن العالم شهد تحولات كبرى أطاحت بدول كانت مستقرة، ولعل هذا ما يشير إليه الرئيس عبدالفتاح السيسى، فى كلمته، عما شهده العالم خلال السنوات الأخيرة، من حروب وصراعات ومخططات أفقدت دولا توازنها، وأطاحت باستقرارها، مع حروب بالوكالة وحروب أهلية، وإن كانت مصر بقيت قادرة وسط أنواء وصراعات على حفظ استقرارها، وتوازنها فى ظل استقطاب وحروب، شرقا وغربا وجنوبا وشمالا، فى ليبيا والسودان وسوريا واليمن، وغزة والحرب المستمرة بشراسة أكثر وخطر على الأمن القومى، وتحرص مصر على حفظ أمنها القومى، ووحدة شعبها وأرضها وتحتفظ بقوتها الرشيدة «تحمى وتردع ولا تعتدى أو تغامر». رحل عبدالناصر قبل 54 عاما، وعدد سكان مصر 30 مليونا، الآن تجاوزوا الـ105 ملايين، تغيرت أشكال الاستقطاب، فى الماضى دعمت مصر حركات الاستقلال والتحرك، وخلال السنوات الماضية حرصت مصر على التعاون مع دائرتها الأفريقية، وأن تكون جسرا مع أوروبا والمجال العربى والإسلامى، فى توازن وتحتفظ بموقفها، ضد تصفية القضية الفلسطينية، أو تهجير الفلسطينيين.


بعد 72 عاما، تغيرت أشكال الصراعات والاستقطابات، ومن يريد تقييم كل مرحلة، عليه أن يفعل ذلك بقوانين زمانه ومكانه، فى عالم أكثر تعقيدا، تغيرت فيه قواعد الاستقطاب والمنافسة والمصالح.

p
صحيفة اليوم السابع









مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة