لم يُصبح اسم الملياردير الأمريكى، إيلون ماسك مرتبطًا فقط بعالم التكنولوجيا والتقنيات الحديثة أو كواحد من أغنى الأغنياء حول العالم، وإنما أيضًا بات يرتبط بعالم السياسة بشكل وثيق، فمن خلال ما أنتجته شركاته من تقنيات عملاقة، أصبح لديه الكثير من العلاقات السياسية مع عدد من دول العالم، ولاسيما العظمى وذات الشأن فى التحولات السياسية التى يشهدها العالم على مدار السنوات الأخيرة.
علاقات «ماسك» مُتشعبة شرقًا وغربًا، شمالًا وجنوبًا، فبجانب علاقاته الشخصية القوية التى تربطه بعدد من قيادات العالم، إلا أن نظام «ستارلينك»، الذى أنشأته شركة «سبيس إكس» التابعة له، نراه يؤثر حاليًا فى كثير من الصراعات والأزمات التى يشهدها العالم، حيث الصراع الروسى الأوكرانى، والصراع الجارى فى غزة منذ أكتوبر من العام الماضى، إلى جانب السودان، بالإضافة إلى توغله فى القارة الأفريقية عبر إتاحة الإنترنت بسرعات عالية للمناطق النائية من خلال «ستارلينك»، حيث طموح الشركة بتغطية أكثر من 23 دولة أفريقية، وأيضًا مواجهة التداعيات المناخية، مثلما حدث حينما تسبب بركان هائل شهدته تونجا فى يناير 2022 إلى تمزق فى كابل اتصالات رئيسى أسفل المحيط الهادى بهذه المنطقة، وأزمة إنسانية كبيرة شهدتها الدولة وهى شبه منعزلة عن العالم بسبب هذه الكارثة الطبيعية؛ فنجح «ستارلينك» من خلال 50 محطة طرفية تم إرسالها إلى تونجا فى إعادة الاتصال ببعض القرى فى الجزر النائية.
وأعلن إيلون ماسك الثلاثاء، عن عمل الإنترنت الآن، فى مستشفى بغزة من خلال «ستارلينك»، بعد نجاح مفاوضات دائرة على مدار الأشهر الماضية للتغلب على ما شهده القطاع من قطع شامل لخدمات الإنترنت والاتصالات، ما تسبب فى مضاعفة الأزمة الإنسانية التى يمُر بها الفلسطينيون جراء ممارسات الاحتلال الإسرائيلى؛ فقوة «ستارلينك» الأساسية تكمُن فى قدرة أقمارها الصناعية فى توفير الإنترنت بالمواقع التى تتعطل بها البنية التحتية أو المناطق النائية.
وكان «ماسك» استجاب فى نهاية أكتوبر الماضى، لهاشتاج #starlinkforgaza الذى طالبه فيه الآلاف عبر «X» - تويتر سابقًا – إلى توفير خدمة الإنترنت من خلال «ستارلينك» إلى أهالى القطاع، بعد تعطل الخدمة لديهم بشكل كامل، حيث ذكر فى ذاك الوقت أنه مستعد تمامًا للتعاون من الأمم المتحدة ومنظمات المساعدة الدولية بشكل عام لتوفير الإنترنت بغزة، إلى جانب عدم وضع موقع التواصل الاجتماعى الشهير لقيود على الرأى العام وتعليقاته فيما يخُص الأحداث فى غزة.
الأوضاع فى السودان أيضا لعب بها «ستارلينك» دورا لافتا، فقد أعرب عدد من السودانيين غضبهم من قرار الشركة الذى أعلنته فى مايو الماضى بإغلاق خدمة الإنترنت فى السودان عبر أقمارها الصناعية، ذلك القرار الذى وصفه عدد كبير من المنظمات الإنسانية فى السودانية بالـ«معاقبة الجماعية» للسودانيين، الذى يعانون منذ أبريل العام الماضى، حيث بدأ القتال بين الجيش السودانى وقوات الدعم السريع ما ترتب عليه انهيار البنية التحتية لشبكات الاتصالات وتعطل خدماتها فى مناطق مختلفة بالسودان.
وفى تقارير صحفية غربية، أشارت إلى أن استخدام «ستارلينك» بات فى عدد من الدول بشكل غير قانونى، مثل السودان واليمن وأيضًا جنوب أفريقيا وآسيا الوسطى، وأن الأمر ترتب عليه ما أُطلق عليها بـ«السوق السوداء» للخدمة، وهو ما ترفضه حكومات بعض الدول ممن ترى أن استمرار مثل هذه الخدمة دون رقابة أو ضوابط وتشريعات خاضعة لها؛ يُمكن أن يترتب عليه مخاوف أمنية واستراتيجية تضُر بمصالحها وأمنها.
وحول الحرب الروسية الأوكرانية، كان «ماسك» قد ذكر أن شركته فى عام 2022، نجحت فى منع هجوم أوكرانى على قاعدة بحرية روسية، بعد عن تم رفض طلب لكييف لتفعيل «ستارلينك» للوصول إلى الإنترنت بالقرب من شبه جزيرة القرم، فى حين كانت هناك مزاعم بالسماح لروسيا باستخدام خدمة «ستارلينك»، بينما نفى الكرملين هذا الأمر، مؤكدًا أن التحدث عن بيع محطات ستارلينك لروسيا عار تمامًا عن الصحة، ويرى «ماسك» صعوبة أن تكسب أوكرانيا هذه الحرب الدائرة مع روسيا، موصيًا فى أكثر من مناسبة إلى ضرورة التفاوض والوصول إلى تسوية بين الطرفين.
لقد أصبح الإنترنت محورًا رئيسيًا فى كثير من مناحى الحياة وبمختلف القطاعات والمجالات فى جميع أنحاء العالم، ولعل أهميته إلى جانب سلبياته ظهرت واضحة فى أزمة تعطُل «مايكروسوفت» التى أثرت على عدد من دول العالم الجمعة الماضية، فقد ترتب عليها شلل تمام فى كثير من الخدمات والقطاعات الحيوية، ولا يُخفى على أحد اتجاه العالم إلى مزيد من التقنيات والخدمات الرقمية خلال السنوات المقبلة، ما يعنى مزيدا من الاعتماد على خدمات الاتصالات ولاسيما الإنترنت، والتى يُمكن أن تتوقف سريعًا مع أى تهديد تشهده دولة ما أو صراع دائر على أراضيها حيث التسبب فى انهيار جزئى أو كلى بالبنية التحتية الخاصة، بالإضافة إلى تسبب الكوارث الطبيعية فى الأزمة ذاتها، وهو ما يرفع من قيمة خدمات «ستارلينك» التى نجحت فى إثبات قدراتها ونجاحها فى عبور القارات والأزمات.