على مدى أكثر من 27 شهرا قطع الحوار الوطنى مراحل مختلفة، نجح خلالها فى توسيع النقاشات حول قضايا خلافية، وبناء جسور ثقة ما كان يمكن أن تقوم بغير تنوع الآراء والأفكار من دون حواجز أو استبعاد.
يمكن التعرف على حجم ما تحقق فى جلسات الحوار، من شهادات أطراف سياسية وحقوقية، بدأت المشاركة من زاوية التشكك، ومع الوقت اكتشفت جدية وتفاعلا ورغبة من كل الأطراف سواء الدولة أو التيارات السياسية، باعتبار أن الحوار يكشف الزوايا المهمة التى تتيح فرصة لتقريب وجهات النظر وتحقيق نقاط توافق يمكن البناء عليها أيا كانت الخلافات، ثم إن أهم ما تقدمه تجارب السياسة، هى أنها تزيل المسافة بين الفكر النظرى والممارسة العملية، كما أنها تضع كل طرف أمام الأطراف الأخرى.
كل القضايا يمكن حلها بالحوار والمشاركة، والاختلاف والتنوع، هذه خلاصة تجارب السياسة، وهو عنوان عريض يفرض مزيدا من المشاركة وتوسيع المجال العام، باعتبار كل القضايا قابلة للنقاش، من دون شروط، والواقع أن من شاركوا فى الحوار من البداية حققوا تقدما فى عدد من الملفات، كان من الصعب تصور أحداث تغيير فيها، وبالفعل كشفت المشاركة عن قدرات التيارات السياسية ومدى استعدادها للمشاركة وتقبل التنوع فى الآراء، وأيضا كشف عن عيوب بعض التيارات التى توقفت عند لحظات جامدة، وعجزت عن تفهم حجم التحولات محليا وإقليميا ودوليا، بل وأيضا تحولات فى التفكير العام بعيدا عن حملات زائفة تظهر وتنتهى على مواقع التواصل.
وخلال أكثر من 12 عاما تثبت التجربة أن ما قد يبدو من اختلافات فى الآراء بين التيارات السياسية إنما هو نوع من الاختلاف فى العناوين وربما رغبة فى المشاركة وعدم الاستبعاد، وأن العزلة تسبب أحياناً تباعدا وتنافسا شكليا، ينهيه التقارب والحوار، حيث إن الذين شاركوا استفادوا من تجربة الممارسة، بينما من توقفوا عند تواريخ معينة، بقوا فى سياق التجمد والسكون.
ثم إن تجارب السنوات الماضية من حولنا، عكست صراعات وتداخلات وحروبا بالوكالة وحروبا أهلية، تؤكد دائما أن المجتمع بحاجة إلى الحوار المستمر والتفاعل، ولا يشترط أن يتفق الجميع، بل التنوع مطلوب لمزيد من المشاركة وبناء المزيد من جسور الثقة، لتقوم على توافق وتفهم ومشاركة أكبر تميز المرحلة المقبلة وتناسب ما يشهده العالم من تطورات تقنية وفكرية، والبديل هو الصدام الذى يضيع الأرضية والفرصة.
اتخذ الحوار الوطنى مسارات جديدة مع تشكيل مجموعة تنسيقية، تضم ممثلين عن مجلس الوزراء، ومسؤولى الحوار الوطنى بهدف الإسراع فى تطبيق التوصيات والمخرجات فى كل المجالات التى تضمنها الحوار الوطنى ، وتم الإعلان بالفعل عن لقاء مجلس أمناء الحوار مع الحكومة، وقبلها استجاب الرئيس عبدالفتاح السيسى لمطالب الحوار الوطنى فيما يتعلق بالقضايا العاجلة، بدءا من تفعيل لجنة العفو الرئاسى، وكل ما يدخل منها ضمن سلطات الرئيس الدستورية والقانونية، واستجاب الرئيس لمطلبى مد الإشراف القضائى على الانتخابات والاستفتاءات، والمجلس الأعلى للتعليم، ووعد بالنظر فى قوانين الوصاية ومفوضية منع التمييز، وقانون تداول المعلومات وإحالة أى مطالب أخرى إلى مجلس النواب والجهات المختصة، كل هذا بجانب الكثير من العمل فى تصفية وإغلاق ملفات مفتوحة، واستمرار تنفيذ المطالب بشكل كبير، وأيضا إقامة جسور للتنسيق وتنفيذ التوصيات، المتعلقة بمدد الحبس الاحتياطى، أو غيرها من الموضوعات المتعلقة بتوسيع المجال العام والممارسة.
وشهدت الجلسات التى نظمها الحوار الوطنى، لمناقشة قضية الحبس الاحتياطى والعدالة الجنائية، إضافة مهمة فى المشهد السياسى وتم تقديم مقترحات تلغى فكرة الحبس المفتوح، حتى لا يكون عقوبة، وجرى النقاش بمشاركة واسعة وفعالة من كل الأطياف السياسية والحقوقية، ومقترحات بناءة يتقدم بها المشتركون، لأجل الوصول لتوصيات فعالة تساهم فى حل القضية وهناك رهانات على أن القضية سوف تجد حلا، والتعامل معه باعتباره إجراءً احترازيًا وليس عقوبة، بهدف التوصل إلى رؤية متوازنة لتحقيق الأمن والقانون دون المساس بحرية المواطن.
بشهادة من شاركوا من الحقوقيين، فقد كانت كل الأطراف المشاركة، حريصة على إنهاء هذا الملف، وغيره بما يسهم فى توسيع المجال العام والمشاركة، التى تعنى احترام كل طرف لحقوق الأطراف الأخرى.
مقال أكرم القصاص فى عدد اليوم السابع
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة