بيشوى رمزى

خطاب نتنياهو واختبار الديمقراطية الأمريكية.. وخيارات الإدارة

الأحد، 28 يوليو 2024 11:57 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

خطاب، يحمل صورة استغاثة، أطلقها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في الكونجرس الأمريكي، تحمل في طياتها تكراراً مملاً لحديث المظلومية الذي طالما تبنته الدولة العبرية على مدار عقود منذ تأسيسها، باعتبارها الكيان المستهدف، سواء من منطقة الجوار، في فلسطين وسوريا ولبنان، أو الإقليم واسع النطاق، وهو ما يبدو في حديثه عن إيران، بينما قدمت نفسها باعتبارها المدافع الأول عن مصالح واشنطن في المنطقة، عبر الحرب التي تطلقها هنا أو هناك، لتقتل فيها ملايين المدنيين، لتبقى حالة الإنكار مهيمنة على الخطاب على الاحتلال، وهو ما بدا في نفيه القاطع لما رصدته كاميرات العالم على الهواء، من انتهاكات صارخة، في قطاع غزة، وخاصة في رفح الفلسطينية.

ولعل لجوء نتنياهو للكونجرس، ذو الأغلبية الجمهورية، ليس بالأمر الجديد تماما، فقد سبق له وأن أقدم على الفعل نفسه، في أواخر حقبة الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما، عندما أقدم الأخير على إبرام الاتفاق النووي مع إيران، وللمفارقة كان جو بايدن هو نائب الرئيس حينها، بينما التوقيت نفسه أحد المتشابهات، حيث جاء الخطاب الأول مع اقتراب الانتخابات الرئاسية في 2016، والتي كان الرئيس السابق دونالد ترامب مرشحا بها عن الحزب الجمهوري، لينتزع خلالها عرش البيت الأبيض، من براثن خصومه الديمقراطيين، وعلى حساب سياسية مخضرمة ذات خبرات كبيرة، على غرار هيلاري كلينتون، والتي شغلت منصب وزيرة الخارجية لأربعة سنوات، بينما سكنت البيت الأبيض، باعتبارها السيدة الأولى، لثمانية سنوات أخرى.

إلا أن خطاب نتنياهو للكونجرس الأمريكي، هذه المرة، رغم تشابهه فيما يتعلق بالخلاف مع الإدارة الحاكمة في واشنطن، ربما جاء في ظروف أكثر استقطابا في الداخل، ليس فقط جراء اقتراب الانتخابات الرئاسية، وإنما في ضوء ظروف استثنائية، على غرار محاولة اغتيال ترامب، ثم انسحاب الرئيس جو بايدن من السباق الانتخابي، وهو ما يعني أن الداخل الأمريكي يبدو مشتعلا، لتصبح الديمقراطية على محك اختبار أكثر شمولا، يضع السياسة الخارجية جنبا إلى جنب مع الأوضاع في الداخل، في إطار يحمل طابعا استقطابيا، وهو ما بدا في مقاطعة غالبية النواب الديمقراطيين لكلمة نتنياهو، بينما حضر الجمهوريون الذين يشكلون الأغلبية، ليقدموا وصلات من التصفيق الدائم والمستمر مع كل جملة يطلقها رئيس الوزراء الإسرائيلي، ربما ليس تصديقا له ولكن ربما نكاية في خصومهم.

وفي الواقع، يبدو خطاب نتنياهو للكونجرس، رغم ما حمله من إشادات لفظية بـ"صهيونية" بايدن، يمثل محاولة صريحة من الدولة العبرية في تقديم الدعم للحزب الجمهوري، عبر حشد اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة، خلف المرشح الرئاسي دونالد ترامب، أملا في أن تحمل سياساته ليس فقط دعما لإسرائيل، وإنما قدرا من الحماية الشخصية له، أمام محاولات ملاحقته، سواء في الداخل أو في الخارج، وهو ما بدا في حديثه عن المحكمة الجنائية الدولية، وانتقاده لها، بل وتلويحه بأنها تحاول الآن تكبيل يد إسرائيل وأن أمريكا هي التالية، في ظل غياب الانسجام بينه وبين الإدارة الحالية، والتي باتت ممتعضة من السلوك الإسرائيلي المشين في غزة، وما أسفر عنه من قتل آلاف المدنيين ليضع أمريكا، والتي طالما وضعت نفسها في دور المدافع الأول عن حقوق الإنسان، في حرج بالغ أمام العالم، خاصة بعد استخدامها للفيتو أكثر من مرة، لمنع تمرير قرارات بمجلس الأمن من شأنها وقف إطلاق النار في غزة.

تجاوب الجمهوريين مع خطاب نتنياهو، أمام مقاطعة كبيرة من الديمقراطيين، تمثل بلا شك حقيقة الانقسام غير المسبوق في الداخل الأمريكي، الذي تجاوز الحدود، خاصة وأن السياسة الخارجية ربما لم تكن محل خلاف كبير بين الأحزاب الأمريكية، في ضوء ما تحظى به من ثوابت، بينما يتبقى التظاهرات الداعمة لفلسطين تزامنا مع الخطاب، هي الأخرى وجها آخر للانقسام، الذي تجاوز الأحزاب، ليمتد إلى الشارع، في ظل وجود قطاع من المواطنين الرافضين للانتهاكات المرتكبة في غزة، وآخرين يشعرون بتداعيات العدوان على حياتهم، أمام لوبي آخر يبدو داعما للدولة العبرية، ذهب نتنياهو لحشده، لزيادة فجوة الانقسام في الداخل.

وهنا يثور التساؤل حول مدى قدرة الديمقراطية الأمريكية، على الصمود، في مواجهة انقسام واسع النطاق، يمتد من الداخل إلى الخارج، إلى الحد الذي يحولها من أداة لتبسط بها واشنطن هيمنتها على العالم، إلى محاولة لإخضاعها من قبل حليف مارق، يسعى لفرض كلمته على القوى العظمى الأكبر في العالم، عبر استخدام منبرها التشريعي لتوسيع هوة الانقسام، بل ويسعى، من خلال التوقيت إلى التأثير على الرأي العام الأمريكي قبل الانتخابات المقبلة، في محاولة لشرعنة التدخل الخارجي، من أجل تحقيق أكبر قدر من المكاسب، والتي لا تقتصر في حقيقة الأمر على البعد القومي أو الوطني للدولة العبرية، وإنما أيضا الشخصية لصالح شخص رئيس الوزراء الإسرائيلي، الذي يبدو مستقبله على المحك.

وهنا يمكننا القول بأن خطاب نتنياهو أمام الكونجرس، وإن كثرت فيه الكلمات المعسولة، إلا أنه يمثل تحديا صارخا لكبرياء واشنطن، وهيمنتها، وقدرتها على احتواء حلفائها، لتصبح الإدارة الأمريكية، سواء الحالية أو المقبلة أمام خيارين لا ثالث لهما، إما السماح للحليف بمواصلة مروقه، عبر مزيد من المهادنة، أو الوقوف بحزم أمامه للحفاظ على القيادة الأمريكية للعالم، خاصة في ظل صعود كبير للصين وروسيا، ناهيك عن مساع أوروبية جادة للقيام بأدوار ملموسة، في مختلف مناطق العالم، وفي القلب منها منطقة الشرق الأوسط.










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة