بمشاركة أكثر من 100 دولة، شهدنا افتتاح مؤتمر دار الإفتاء المصرية العالمى التاسع، الذى تنظمه الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء فى العالم سنويا، ويعقد هذا العام فى القاهرة، ويحمل هذا العام عنوان «الفتوى والبناء الأخلاقى فى عالم متسارع»، باعتبار أن العالم عموما والعالم الإسلامى على وجه الخصوص، يشهد تداخلات وتشابكات متعددة، وتتعرض عقول ملايين المسلمين للكثير من البث والكلام والكتابات والأفكار التى تذهب بالبشر بعيدا عن مقاصد الأديان، إلى صراعات بين البشر دينيا وعرقيا وعنصريا، وفى الوقت الذى تنزل فيه العقائد لإسعاد البشر، تتحول إلى أدوات للحروب والصراعات والموت، واحتلت قضية العدوان الإسرائيلى على غزة، والإبادة، مساحات كبيرة فى كلمات المشاركين، وأيضا الإساءة للأديان والعقائد، والدعوة للتعامل برقى وهدوء مع الأفكار والاختلافات.
من هنا تأتى أهمية المؤتمر الذى يعقد برعاية من الرئيس عبدالفتاح السيسى، وبحضور كبار المفتين والوزراء والعلماء من أكثر من 100 دولة حول العالم، لأهمية موضوعه «الفتوى والبناء الأخلاقى فى عالم متسارع»، حيث أكد الدكتور شوقى علام، مفتى الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء فى العالم، أننا أمام أزمات تعصف بمحيطنا الإقليمى والدولى، ونجتمع فى مصر لمناقشة تلك التحديات، ونعيش فى عالم أصبحت السرعة مَعْلَمًا وسمة من سماته الرئيسية، والأزمات التى تلاحق الجنس البشرى تضعنا فى موضع المسؤولية للحفاظ على المجتمع الإنسانى من التدهور والدخول فى منحدر أخلاقى يفقد به الإنسان قيمته الوجودية فى هذه الحياة.
وأكد الدكتور أسامة الأزهرى، وزير الأوقاف، فى كلمته نائبا عن رئيس الوزراء، أن وزارة الأوقاف بكل قدراتها ومقدراتها وشيوخها وخطابها وأئمتها لدعم دار الإفتاء المصرية وفضيلة مفتى الديار، لتؤدى رسالتها السامية فى خدمة الشعب المصرى والمسلمين جميعا والإنسانية جمعاء، كما أكد أن وزارة الأوقاف ودار الإفتاء المصرية ونقابتى الأشراف والطرق الصوفية تصطف جميعا صفا واحدا وعلى قلب رجل واحد خلف البيت الكبير الجامع لنا جميعا والذى هو الأزهر الشريف، وتحت رايته وخلف إمامنا الأكبر شيخ الأزهر الشريف الذى هو أستاذنا ورمزنا وإمامنا المعبر عنا جميعا كمسلمين أمام العالم، والذى نكن له منتهى الوفاء والبر والعرفان والمحبة.
وأكد وزير الأوقاف، أن القضية الفلسطينية ستظل قضيتنا الكبرى، وسنظل هنا فى مصر داعمين لأشقائنا فى فلسطين، وفى حقهم فى الحياة، وفى رفض كل صور الظلم والقهر لهم ونؤكد على ثوابت الدولة المصرية تحت قيادة الرئيس عبدالفتاح السيسى، فى دفع الظلم والعدوان عن أشقائنا فى فلسطين عموما وفى غزة خصوصا وفى حق أشقائنا الفلسطينيين فى إقامة دولتهم الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية، وكما ننادى بالبناء الأخلاقى فى الفتوى فإننا ننادى بالبناء الأخلاقى فى السياسة الدولية وننادى باحترام كل المواثيق الدولية القاضية باحترام حق الشعوب فى تقرير مصيرهم وفى حق شعبنا الفلسطينى فى بناء دولته.
وأشار وزير الأوقاف إلى ما وقع فى حفل افتتاح أولمبياد باريس 2024 من حدث جلل مفتقد تماما للبناء الأخلاقى، مما أصابنا جميعا ببالغ الأسى والاستنكار، من تعرض غير لائق لمقام سيدنا المسيح عيسى بن مريم «عليه السلام»، وقد أدانه الأزهر الشريف ودار الإفتاء المصرية، ووزارة الأوقاف، مؤكدا أن الإساءة والإهانة لرموز المسلمين والمسيحيين ولمقدساتهم، بل والإساءة إلى سائر الأديان عواقبه وخيمة وينسف كل جهود الاستقرار والتعايش التى نسعى إليها وتغذى التطرف والتطرف المضاد، ولا يمكننا التقدم إلى تعارف جاد بين الحضارات فى ظل الاستهانة أو الإهانة للرموز والمقدسات الدينية، وأدعو كل القيادات الدينية فى العالم انطلاقا من هذا المؤتمر الموقر إلى حملة توعوية شاملة تتعامل مع هذه الأزمات بمنتهى الرقى اللائق بقيم الأنبياء الكرام.
من جانبه، نقل د. محمد الضوينى، وكيل الأزهر الشريف، كلمة شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، الداعية لاضطلاع الفتوى بدورها الحيوى فى حياة الناس فى ظل زمن صعب تجرى فيه انتهاكات حقوق الإنسان بلا هوادة، وأبدى شيخ الأزهر الدعم الكامل لأشقائنا الفلسطينيين وهم يقفون فى وجه الآلة الصهيونية المتغطرسة، وتأكيده أن استهداف المدنيين جريمة ووصمة عار على جبين البشرية يسجلها التاريخ.
ودعا مفتى القدس والديار الفلسطينية الشيخ محمد حسين، إلى أن يكون صوت الساسة ورجال الدين والمفكرين عاليا أمام ما يحدث من استباحة للمسجد الأقصى المبارك والأبرياء المرابطين فوق كل ذرة من تراب فلسطين الطاهر، وهم يعانون القتل والتشريد والإبادة، على مرأى ومسمع من العالم كله، مؤكدا أن عالمنا غلبت عليه القسوة وذهبت حقوق الإنسان جراء الميل عن الأخلاق بعيدا عن المبادئ السليمة التى تحافظ على الإنسان وكرامته.
وكانت الموضوعات والأفكار المطروحة بالمؤتمر جزءا من جدل مستمر يناقش ما تتعرض له العقول من انهيار الرحمة وغياب قيم الإنسانية، فى صراعات وحروب.
اليوم السابع