خالد عزب

علم الاجتماع .. هل المجتمع المصرى هش؟

الثلاثاء، 30 يوليو 2024 01:56 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

يبدو عزيزى القارئ السؤال فى عنوان المقال غريبًا عليك، وقد تنتقدنى لأنى اخترت كلمة هش، وفى حقيقية الأمر صار المجتمع المصرى هشًا لأسباب عديدة تحتاج لعلاج، لكن للأسف الشديد العلماء الذين يجب أن يطرحوا أسباب هشاشة المجتمع ويطرحون الحلول مشغولون إما بالمناصب أو الصراع على لا شيء، أو بأبحاث يهربون بها من الواقع، فهل صار البحث العلمى فى علم الاجتماع هشا أيضا؟، فى الحقيقة هناك استثناءات هنا وهناك.

فما هو علم الاجتماع؟ ولماذا هو علم لا بد منه الآن؟، علم الاجتماع علم يركز على الطريقة التى يتفاعل بها الفرد مع بيئته، بل يركز أيضا على العقل الجمعى للمجتمع، فهو وسيلة لفهم الحياة البشرية من خلال عدسة عالم الاجتماع، ومن خلاله نبدأ فى التساؤل عن جميع جوانب أنفسنا، فعلم الاجتماع يحثنا على طرح الأسئلة التالية: لماذا قررت أن أتولى هذا الدور فى المجتمع؟ لماذا أفكر بالطريقة التى أفكر بها بشأن هذا الموضوع أو غيره؟، لماذا تثير أحداث معينة مشاعر مختلفة بداخلي؟

تنبع هذه الأسئلة من فكرة مفادها أنه حتى أفكارنا وعواطفنا تتأثر بجهات خارجية، فعلم الاجتماع هو دراسة تسمح لنا بمناقشة جميع ما نعرفه عن أنفسنا وتأثيراتنا، لذا فهو علم يسعى إلى المعرفة، وعلم يسعى إلى المعرفة يعنى بالنسبة للكثيرين أن علماءه هم من يسعون إلى درء الخطورة الناتجة عن ممارسات يمكن أن تؤدى إلى مشكلات اجتماعية، فانسداد الأفق أمام النابغين والموهبين لتحقيق ذواتهم يقلب هؤلاء إلى وجه آخر هو العداء للمجتمع الذى سد هذا الأفق، ويقودهم إما إلى ترك البلد والهجرة منه أو ممارسة العنف أو الجريمة، هذا ما يحدث فى مصر منذ سنوات فالجدارة لم تعد هى المقياس الأساسى الذى يدفع الأفراد نحو بذل المجهود، وعلى الجانب الآخر فانسداد هذا الأفق تقابله مشكلة فى مصر تعانى منها مجتمعات أخرى وهى التفاوت الطبقى الناتج عن تفاوت توزيع الثروة، ففى الولايات المتحدة هناك عدم مساواة حيث إن 68.8 % من الثروة فى حوزة 10 % من الأغنياء، وهذا محل نقاش وبرامج للمعالجة.

فى مصر ليس لدينا أرقام، لكن هناك مؤشرات على تركز الثروة، ويظهر هذا واضحا حتى فى إعلانات الشوارع التى تخاطب الأثرياء الجدد باللغة الإنجليزية، بعيدا عن لغة عامة المصريين العربية.

إن واحدة من المشكلات العميقة داخل المجتمع المصرى تعكسها طبقة المحامين فى الصراع بين المصريين والدولة وبين المصريين وبعضهم البعض فى قضايا كان يمكن تفاديها أو حلها بما لا يعيق مرافق العدالة، بل حتى إن بعضا من المحامين يدفعون خصومهم إلى التقاضى بدلا من البحث عن الحلول، هذه الظاهرة أوجدت علم اجتماع المهن القانونية: وهو علم رئيسى الآن فى عدد من الجامعات ومنها جامعة تورنتو فى كندا، فالمحامون ليسوا مسئولين فقط عن الوصول للعدالة، بل هم أيضا لاعبون رئيسيون فى الحياة الاقتصادية والسياسية، إن فهم من هم المحامون وحياتهم المهنية، يساعد على ترسيخ العدالة فى المجتمع والحد من عدد القضايا، بل فهمهم يكرس القيم الديموقراطية فى المجتمع، لأنهم ضمير المجتمع الذى لو مات مات المجتمع معه، لذا فالمحامى حين يكرس حياته لأجل القضايا العامة والدفاع عن المظلومين فانه يقدم قدوة تحمى المظلوم من ممارسة العنف للانتقام أو للحصول على حقه، ومثل هذه النوعية من المحامين سرعان ما تتحول لشخصيات عامة تصبح مؤهله للعمل السياسى.

هذا يقودنا إلى علم الاجتماع الرقمى فهناك قفزات حققها هذا العلم لكننا أبعد ما نكون عنه فالمجتمعات الرقمية والتفاعلات الاجتماعية عبرها تؤثر على الهوية وبنية المجتمع، كما أصبحت منصات للتعبير عن الرأي، ولذا فانها مستقبلا ستقود إلى مجتمعات رقمية تمنح مواطنه رقمية وجواز سفر، وبالتالى بات من المهم أن تستوعب الدولة مواطنيها، فلا حدود هنا ولا قانون محلى يطبق، بل فضاء مفتوح متفاعل حيوى يتطلب التعاطى معه بإيجابية فإن جرى التعاطى معه بصورة أخرى يولد دوامة من رد الفعل، بل قد يؤدى هذا إلى فجوة بين الدولة ومواطنيها، فالأصوات التى ظن البعض أنها صامته باتت فاعله.

إن من فروع علم الاجتماع علم الاجتماع الدينى الذى يركز على المعتقدات والممارسات والمؤسسات الدينية، فضلا عن دور الدين فى تشكيل السلوك الاجتماعى والقيم والتغيير الاجتماعي، والذى جرى حصره فى دراسات ترصد ظاهرة التطرف الديني، فى حين أن من درسوا هذا تناسوا أن كل المجتمعات بها تفاوت فى الآراء والانتماءات من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار فاليمين المتطرف فى فرنسا مؤخرا كان قاب قوسين من حكم فرنسا، هذا ما يتطلب البحث عن جذور مشكلة التطرف وليس الظاهر للعيان منها، وكيفية الحد منه بإجراءات تستوعب وتحد منه دون الدخول فى صراعات .
إن كل ما سبق يقود إلى أنه لدينا مشكلات تتركز فى عدم المساواة فى الفرص فى التعليم والوظائف والرعاية الصحية وغيرها، هذا ما يجرى التعبير عنه بما يسمى التفاعل الرمزي، هذا يقودنا إلى تفسير السلوك البشرى من خلال تقييم المعانى الرمزية التى يطورها الأفراد ويبنون عليها حياتهم الاجتماعية فالإيماءات لها معانيها مثلها مثل الرموز التعبيرية فى شبكات التواصل الاجتماعي، بل حتى أغانى المهرجانات لها رموز حين نفكك معانى كلماتها سنجدها أغانى احتجاجية ضد الظلم بكافة أشكاله ومستوياته.

لذا التفت علم الاجتماع فى السنوات الأخيرة لعدد من المشكلات الاجتماعية فأوجد فرعا منه يدرس اقتصاد العمل المؤقت فالعمل أهم جوانب الحياة البشرية، خاصة أن لدينا شرائح تبدأ العمل فى سن مبكرة ويظلون طوال حياتهم يعملون بأجر بصورة مؤقته، وهذا يعود إلى أن أصحاب العمل يفضلون هذا النمط لمرونته، ظروف العمل هذه تؤدى أحيانا لمشكلات لا حد لها لهؤلاء المهمشين، الذين يعبرون عن ذلك فى بعض الأحيان عند تعاملهم مع طبقات اجتماعية أعلى.

إن مشكلات علم الاجتماع فى مصر عديدة لكن للأسف أتى الابداع فيها من خارج اطار الجامعة والمراكز البحثية فالدكتور عمار على حسن قدم بعض الدراسات الفريدة فى علم الاجتماع السياسي، كان أبرزها فى الخيال السياسى والمجاز السياسي، وهو يذكرنى بالعالم سى رايت ميل الذى قدم للعالم علم (الخيال الاجتماعى) والذى يقدم فرضيات أدت لإيجاد حلول غير تقليدية .










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة