غزة، شعب عظيم، وأرض مختارة، اختارها الله أن تكون ملهمة لنا جميعا، ففيها كل العظات والعبر، فيها كل المكاشفة والمصارحة، فيها الوجوه الحقيقية، فيها طبيعة العالم وطبعه، فيها جبروت العالم وخوفه، فيها الاختراق الكامل لكل المعانى والقوانين، فيها تحدى الظالم، وفيها تحدى المظلوم، هي غزة بشعبها، اختارها الله واختار شعبها، وفى حرب الـ300 يوم، تنتصر غزة، رغما عن كل أصحاب النفوس المهزومة، وبطبيعة الحال رغما عن أصحاب الهوية الإسرائيلية، والهواية والغواية الـ"تل أبيبية"، تنتصر وحدها شامخة وقادرة على ابهار العالم فى أسوء فترات التاريخ تشويشا وظلاما.
غزة هي أرض الله المختارة، اختارتها الأقدار أن تكشف الجميع بتضحيتها، فاستطاعت أن تواجه العالم بصمته، وتتحدث بالدم، دماء أبنائها وعجزائها، وشبابها وسيداتها، ورغم كل الظروف صامدة قادرة، بل ولديها رغبة في الحياة، فقد علم أهلها أهل الأرض جميعهم، فلا وجع يضاهى ذلك الوجع، ولا قدرة تجارى رؤية هذه الدماء المتداخلة مع تراب المباني، وجثث الأطفال بين أنقاض البيوت، وتلك الأيادى التي تحفر الأرض في خوف من المصير، ورغم ذلك يجلس الكثيرون فوق الأنقاض ينتظرون قول الله الفصل فيما يجرى، وسيحدث ذلك، فهي طبيعة الأرض والتاريخ، وتلك طبيعة المشيئة الإلهية، فصاحب الحق ينتصر رغم كل الاستخبارات والجيوش والسلاح، ورغم الصمت القاتل من الجميع.
قدرة غزة وعظمتها أوقع من كل التفاصيل، فقدرتها من شعبها وأدواته، ووحدهم الإسرائيليون سيدفعون أثمان ما فعلوه في تلك الأرض، وكل أبنائها هم ذخيرة المستقبل، وسيخرج من بينهم من يقود الطريق، ولا علاقة لأدوات المقاومة بمسمى معين، أو جناح معين، فأداة فلسطين هي دم أبنائها، وذلك الدم العظيم لن ينتهى، بل سيظل في فورانه حتى يهدأ بالثأر، و سيحدث ذلك سيحدث، فتلك الحرب المصورة الإجرامية، خسر فيها الجميع، وكسبت فيها غزة رغم ضريبة المكسب، ولذلك فقول أهل الأرض جميعا لا يكفى قول الله تعالى بأن المظلوم منتصر في النهاية، ولا يأس يدخل فينا، فإسرائيل بكل ما فيها كيان لم يكمل قرنه الأول، وسيخرج من بطن غزة من يكسر هذا القرن، ويوحد أدوات الأرض، حتى تتحق وعود السماء.