منذ أن مررت للمرة الأولى بالعلمين بعد بدء تطويرها أو بالأحرى تحويلها من مدينة مركزية إلى مدينة ذات طابع إنشائي عالمي، رأيت فيها مستقبلا حقيقيا لكنه ليس ذلك المستقبل المقطوع عن ماضيه، وقد استبشرت خيرا حين مررت بمدينة التراث الموجودة في قلب المدينة، فهي المؤشر على أن التخطيط للمدينة لم يغفل مسألة العلاقة القوية بالماضي.
ليست العلمين مجرد بقعة ساحلية نائية تم تطويرها لكنها اسم لها حضور قوي في التاريخ المعاصر فهي المعركة الأهم في الحرب العالمية الثانية، المعركة التي لم ينتصر الحلفاء قبلها ولم ينهزموا بعدها، وهي المكان الأهم لظهور اسم روميل ومونتجومري، وهي الأرض التي تحوي قبور جنود من أربع عشرة جنسية شاركت في هذه الحرب، في منطقة تعد من المناطق الأثرية والسياحية في العالم، وفيها واحد من أهم المتاحف العسكرية.
كل هذه المقومات التاريخية إذا أضيفت إلى الشكل المعماري والتخطيطي الحديث يمكنها إذا تم استغلالها أن تجعلها واحدة من أهم المناطق السياحية في العالم.
والمتابع للفعاليات التي يتم تنظيمها في المدينة على مدار العامين السابقين سيجد أنها فعاليات تسير في هذا الخط لكنها تتوجه إلى القطاع السياحي العربي في الأساس وهو ما يجعل الجهد التسويقي لها يركز على السياحة الترفيهية والفنية في الوقت الذي توجد فيه تلك المقومات التي يمكنها نقل هذا الجهد إلى مناطق أكثر اتساعا.
كان الحلم الأساسي الذي سيطر علي هو استغلال تاريخ العلمين في الحرب الثانية، بوصفها تطرح نفسها الآن كمدينة للسلام العالمي خاصة مع جهود نزع الألغام المستمرة من الصحراء الغربية، وهو الأمر الذي يمكن تحقيقه بالدعوة إلى إقامة مهرجان في الذكرى الثمانين لنهاية الحرب، التي تحل في العام القادم، ويكون هذا المهرجان معتمدا على عرض ثقافات وفنون الدول الأربعة عشر التي أشرت إليها سلفا، الفنون الشعبية والموسيقية والسينمائية والتشكيلية وغيرها من الفنون التراثية التي تتميز بها تلك البلاد مع دعوة بعض من أحفاد الجنود الذين تم دفنهم في العلمين لزيارة قبور أجدادهم وإحياء ذكراهم، حيث يجتمع أعداء الأمس على وحدة الثقافة والفنون على أرض مصر كبذرة لسلام جديد يتجنب صراعات الماضي.
وبالطبع فإن المدينة تمتلك من مقومات لإقامة مثل هذا المهرجان ما سوف يكون إعلانا عالميا ستهتم به وسائل الإعلام للكشف عن قدرة المدينة على تنظيم مثل تلك الأحداث، ومن الممكن أن ينعقد في أيام المهرجان الأولى مؤتمر يناقش سبل السلام العالمي وجهود تطهير الأرض من الألغام وما إلى ذلك من موضوعات يمكنها أن تعزز النظر على المدينة بوصفها مكانا مهما للتجمع السياحي والثقافي لكل الجنسيات كما أنها بوتقة يتم فيها التعرف على الفنون والثقافات المختلفة، ليكون ذلك المهرجان والمؤتمر بالطبع قابلا للتكرار مع إضافة دول أخرى فيما بعد.
إن موقع العلمين في التاريخ والجغرافيا ووجودها على ساحل البحر المتوسط، ووجود اسمها مشهورا في كتب التاريخ لكل البلاد التي شاركت في الحرب الثانية يجعلها كنزا لابد من محاولة استغلاله بصورة مثالية خاصة بعد الصورة الحضارية التي ظهرت بها وبعد اختبار قدرة المدينة على إقامة أحداث كبرى كما يحدث الآن.