التغييرُ سُنَّة الحياة، أكان فى الحكومة أم فى غيرها، والمشهدُ الذى تابعناه أمس أقربُ إلى التجديد الشامل لهيكل السلطة التنفيذية. بالأرقامِ هو واحدٌ من أوسع عمليّات الإحلال، وبالنوعيَّة فإنه يشتملُ على أسماء مُبشِّرة ويصحُّ الرهان عليها، كما أنه من واقع التكليف الرئاسى وطُول فترة المداولات، يبدو أنه تحويرٌ للرؤية وإعادةُ ضبطٍ للفلسفة، لا مُجرَّد تبديلٍ فى الوجوه وحقول الخبرة. صحيح أنَّ جانبًا من تقييم التجربة يظلُّ مُعلّقًا على المستقبل، وأن يُبدى الفريقُ الوزارى ما يُؤكِّد اتّصال الشكل بالمضمون، وإنتاج سياساتٍ جديدة تكون أكثر حيويّةً واشتباكًا مع التحدّيات؛ إلَّا أنَّ الترقُّب لا يمنعُ من الاستحسان، والرهان على المُنتظَر لا يلغى ربحيَّةَ المُتحقِّق، كما أنَّ المُؤشِّرات الأُولى تُجيز التفاؤلَ، ومن باب «المُقدِّمات تُبشِّر بالنتائج» فقد نكونُ إزاءَ خطوةٍ تصحيحيَّة واسعة، وإنعاشٍ كان مطلوبًا لاستعادة وَهج الجهاز الإدارى وعافيته، وتمكينه من تحديث الأفكار وتحسين الأداء.
النسبةُ تُوازى ثُلثى مجلس الوزراء وتفوق ثلاثةَ أرباع مجلس المحافظين، مع هيئةٍ عريضة من النوَّاب الشباب فى الناحيتين، ونزولٍ بمُعدَّل الأعمار فى الحكومة. أمَّا تزامُنُ الحدثين فإنَّه يضعُ الإدارةَ المحليَّة فى القلب من الدولاب التنفيذى، كما لو أنها صارت جناحًا ثانيًا، لا طَرفًا مُلحَقًا على الجناح الأوَّل. وبالتبعية يشملُهم بيانُ التكليف بما فيه من أولويَّات، ويقعُ على عاتقهم أن يكونوا شريكًا فى رَسم الخطط وتفعيلها، لا سيَّما أنَّ رئيسَ الجناحين وصاحبَ القرار فيهما واحدٌ. قد يفتحُ ذلك البابَ لمزيدٍ من اللا مركزية، والالتفات إلى الاحتياجات النوعيّة وفقَ فلسفةٍ تنمويَّة مُوجَّهة، من دون أن يجورَ الاستقلالُ النسبىُّ على ضرورات التكامل واتِّصال الجهود معًا. وسيكون على الفريقين أن يضبطا المُعادلةَ بالطريقة التى تُعزِّز التناغُمَ ولا تُبدِّد التمايُز وتفاوتَ الإمكانات، والمايسترو فى تلك المعزوفة هو مصطفى مدبولى نفسُه، بما يرسمُ من حدودٍ للعلاقة فى ضوء الدستور والقانون والمساحة المُتاحة بين الاختصاصات، وما يُوزِّعه من مهامّ وتكليفات، وإشرافه على بناء برنامجٍ عُنقودىٍّ؛ إن جاز التعبير، يُنظِّم الإيقاع مركزيًّا، ولا يُقوِّض الأطراف أو يُحجِّم تُعدُّدَ المسارات.
أجاد كثيرون من الراحلين فى أداء المطلوب منهم، بعضُهم اجتهدوا والبعضُ اكتفوا بالحركة الاعتياديَّة. والحقّ أنَّ عديدين منهم لديهم سِيَرٌ شخصيّة مُشرِّفة، وخبراتٌ طويلةٌ مُتراكمة؛ إنما الواقع من النظرة الأُولى فى التغيير أنَّ أغلب الآتين يتفوَّقون من جانب المعرفة والكفاءة، وفاعليَّة الأداء فى سابق مواقعهم، على نُظرائهم المُغادرين. تلك النقطةُ تصبُّ ابتداءً فى صالح الهيئة الجديدة؛ إنما لا يُرتَكَنُ إلى الرهان عليها وحدها. فالواقعُ أنَّ السيرةَ ليست عاملاً حاسمًا فى المُمارسة العملية، ولا دليلاً استباقيًّا على الإجادة، ما يُلزِم الوزراءَ الجُددَ بالاجتهاد لتأكيد الاستحقاق أوَّلاً، ثمَّ لترجمة الأفضليَّة النظرية بشكلٍ عملىٍّ، على أن تُواكب رئاسةُ الحكومة والسلطةُ التشريعية والرأى العام قبلهما، مسارَ التنفيذيِّين الجُدد بالمُتابعة والرقابة والتقويم. وإذا كان الرهانُ على تغيير السياسات؛ فإنَّ التحوُّطَ من الحماسة المُفرطة أمرٌ واجب، بحيث لا تخرجُ بعضُ الأُطروحات عن الخطوط العريضة لفلسفة الحكومة، أو لا يغامرُ آحادُ المسؤولين برؤىً ومُقترحاتٍ ترفعُ الأعباءَ ولا تخدم الغايات أو تُناسبُ سياقَ المرحلة وضغوطها. وحدثَ فى عهودٍ سابقةٍ أنْ أحدثَ بعضُ المسؤولين فى ملفَّاتهم، ما تطلَّبَ وقتًا وإنفاقًا مُضاعَفَين لإصلاحه لاحقًا. والمعنى أنَّ دولاب الدولة يخوضُ تجربةً إيجابية مع تجديد الدماء؛ إنما يتعيَّن أن يحضُرَ عقلُها هاديًا ومُرشدًا ومُنقِّحًا للأفكار.
الهيكليّةُ الجديدةُ تبدو مدفوعةً بخيالٍ سياسىٍّ أكثر عُمقًا وجدّية ممَّا فات. والبدايةُ من تعيين نائبٍ لرئيس الوزراء لشؤون الصناعة، سيتولَّى بطبيعة الحال قيادةَ المجموعة الاقتصادية بحُكم صفتِه الأعلى، ما يعنى الالتفات إلى الأولويَّات الحقيقية التى تُحتِّم الخروجَ الكامل من الحالة الريعيَّة إلى الإنتاج وترقية القيمة المُضافة للموارد والإمكانات، وقد يكون مُفيدًا فى تلك الناحية أن يتركَّز الاهتمامُ على التصدير، بأكثر من انصرافه إلى إحلال الواردات؛ إذ الأُولى قد تستفيد من المزايا النسبيَّة وترفعُ العوائد، بينما الثانية تتسبَّب أحيانًا فى دخول مجالاتٍ لا نملك ناصيتها ولا يتوافر لنا عامل ترجيح لحسم المُنافسة الصعبة فيها، بما يرفعُ الكلفةَ ويُخفِّض الجدوى. ومن الإيجابيَّات أيضًا أن يُستَحدَث موقعُ نائبِ رئيس الوزراء للتنمية للبشرية، وجيِّدٌ أن يدخُلَ هذا المفهوم بمعناه الشمولىِّ إلى العقل المُؤسَّسىِّ، وحبَّذا لو استتبعه تشكيلُ مجموعةٍ وزارية من المعنيِّين بالملفّ، تشملُ الصحَّةَ والتعليم والتعليم العالى والثقافة والتضامن والأوقاف والشباب والرياضة، وتضعُ السياسات والأُطر التنفيذية الكفيلة بالاشتغال على محور بناء الإنسان بعناصره الشاملة، صحيًّا وتربويًّا وروحيًّا وإدراكيًّا، وفى جانب اكتشاف المواهب وصَقلِها، والجناحان يتكاملان معًا بصورةٍ عضويَّة، عبر إعادة استكشاف طاقات المجتمع وقدراته الحيوية، وإرساء قاعدةٍ تنمويَّة قادرة على توليد الفرص وسدِّ الاحتياجات. وهكذا يتبدَّى الرهانُ على الفرد والمصنع، وأحسبُ أنَّه أهمُّ الرهانات وأكثرها صوابًا.
دُمِجَت وزارتان واستُحدِثَت ثالثةٌ، وظلَّت الصناعة حقيبةً مُستقلَّة يتولاها المهندس كامل الوزير بجانب النقل، على خلاف الشائع عن دمجهما. الهجرةُ أُلحِقَت بالخارجية، والتخطيط بالتعاون الدولى، واستقلّ «الاستثمار» بحقيبةٍ خاصّة أُضِيفَت لها التجارةُ الخارجية. وبينما تبدو الفلسفةُ واضحةً من وراء التغييرات؛ فالأمرُ يتطلَّب الشرحَ والإيضاح من جانب الحكومة؛ لا سيِّما أنَّ بعض تلك العناوين الهيكلية اختبرناها فى السابق، فكانت التخطيط مع التعاون منذ الثمانينات، وكذلك ملف الهجرة فى عرينه الدائم ضمن بيت الدبلوماسية العريق. لدى الدكتور مدبولى وفريقِه أسبابُهم بالطبع؛ إنما يتعيَّن تفسيرُها بحديثٍ مُباشر أو بالمُمارسة العمليَّة، وهل أثبت الإحصاء والتدقيق أنَّ الحقائب على صورتها القديمة كانت أجدى ممَّا هى عليه بعد الفصل، أم أنه اتجاه غرضه تقليصُ العدد وترشيدُ الإنفاق، وكلاهما محمودٌ ومُبرَّرٌ ولا غبارَ عليه، وكلُّ القصد أن تُوضَع الصورةُ بتمامِها أمام المواطن؛ حتى لا تختلطَ عليه الأمور، ولا يُترَكَ البابُ مفتوحًا لِمَنْ يتقوّلون أو يبثّون شائعاتهم المُغرِضة فى ثنايا التفاصيل المُعلَنة.
التركيبةُ الجديدة أرشَقُ كثيرًا من سابقتها، وربما من أغلب الحكومات التى تعايشنا معها لعقودٍ طويلة سالفة. والرشاقةُ ليست باديةً فقط من جهةِ تخفيف الحِمْل بواقع حقيبة واحدة أو وزيرين اثنين تقريبًا، ولا بالنزول بمُتوسِّط الأعمار من أربعٍ وستِّين سنةً إلى ستٍّ وخمسين فقط؛ بل من إعادة تخطيط الملفَّات وإلحاق المُتداخل منها معًا، واستحداث ذراعين قويِّين لرئيس الوزراء يُغنيانه عن زحام المُتابعة اليومية لمئات الموضوعات والتفاصيل الدقيقة والمُتشابكة. أمَّا التغيُّر الأهمُّ فينبعُ من إعادة هيكلة وزارة الشؤون القانونية والنيابية، وإضافة مهمَّة «الاتِّصال السياسى» إلى حزمة اختصاصاتها، وتكليف المستشار محمود فوزى بحقيبتها فى الصيغة الجديدة. والميزةُ هُنا مَردُّها أمران: الأوَّل أنَّ الحكومةَ كانت تفتقدُ لعُنصر الاتِّصال الفعَّال فعلاً، ما تسبَّب فى رخاوةٍ نسبيّة إزاء امتلاك المُبادأة مع الرأى العام، والقُدرة على مخاطبة الشارع وإقناعه، فضلاً على عامل تسويق السياسات والقرارات وشرحها، أمَّا الثانى فيعود لشخص الوزير نفسه، وقد أثبت كفاءةً واضحةً فى سابق مسؤولياته؛ لا سيِّما الأمانة الفنّية للحوار الوطنى، ومن قبلها الأمانة العامة للمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام.
يُجيدُ الرجلُ، الآتى من منصّة القضاء الإدارى، فَهمَ المضامين وبناء اتِّصالٍ سياسىٍّ مُكافئ لها، وسيكون عليه فى المرحلة المُقبلة أن يكونَ واجهةَ الحكومة ولسانَها، وقنطرتَها الواصلة إلى الشارع والغلاف العام بمُكوِّناتها السياسية والمدنية. سيخلو موقعُه فى «الحوار» لأنه صار تنفيذيًّا، والتصوُّر النظرىُّ أنَّ المُتحاورين غير الرسميين فى خصومةٍ مع الحكومة بطابعها الرسمىِّ، أو على الأقل يتنازعون فيما يخصُّ الأولويَّات وتفاوت الرؤى عن الإدارة الرشيدة؛ إنما سيكسبُ الجانبان بوجودِ كَادرٍ على اطِّلاعٍ بتفاصيل كلٍّ منهما العميقة، وتعقيداته الداخلية، وما يُطوّقه من ضغوطٍ ومُواءمات. وتسمحُ تلك الصيغة بأنْ يتَّصل الدولابُ التنفيذىُّ بالمُؤسَّسة الحواريَّة بعُمقٍ وديناميكيَّة، وأن يتصاعد الجدلُ الخلاّق بينهما على معناه الإيجابى، ويزدادَ تفعيلُ اللجنة التنسيقيَّة المُشتركة لإنفاذ مُخرجات المرحلة الأولى. إنما بجانب تلك المهمَّة الوجوبية رفيعة القيمة؛ فسيكونُ عليه أن يسدَّ الثغرات التى تبدَّت فى اللغة الرسمية المُوجَّهة للمواطن، وفى بُطء الإيقاع أو انطفائه أحيانًا، مع المواكبة اليومية الحثيثة، وتوثيق الصلات بالقُوى السياسية والمجتمع المدنى، وأن يكون الهامشَ الفسيحَ الذى تتلاقى عنده الدولةُ بكلِّ أطيافها، المسؤولين وغيرهم، والموالاة مع المعارضة، وأصحاب القرار على قدم المُساواة مع داعميه أو رافضيه، أو الداعين لبدائل يرونها أكثر رُشدًا وكفاءة.
ينطوى التغييرُ على أرقامٍ مُهمَّة، خاصةً العُمرَ وحُضورَ الشباب والنساء، وتطعيم الدولاب التنفيذى بعقولٍ وخبراتٍ جرَّبت العملَ الخاص، وحصَّلَت معارفَها عبر تنوِّعٍ عريض من برامج التعليم والمُمارسة العملية فى مُؤسَّسات محليَّة ودوليَّة وشركات عالمية كُبرى. لكنَّ الأهمَّ من كلِّ المُؤشِّرات والإحصاءات؛ أن تنعكسَ الطاقةُ البادية فى السِيَر الشخصية وعلى وجوه المُكلِّفين وهُم يُؤدِّون اليمينَ أمام الرئيس، جهدًا حقيقيًّا مُثمرًا فى وزاراتهم، وتطويرًا لمرافق الجهاز الإدارى وخياله، وإيقاع حركته، ومدى تجاوبه مع التحدِّيات واستباقه للأزمات. والحال أنَّه لا شكَّ إطلاقًا فى إخلاص النوايا، كما لا مُنازعةَ فى أنَّ الذين قَبِلوا المهمَّة يرون فى أنفسهم القُدرةَ والاستحقاق، وعلى قدرِ المرحلة ومصاعبها؛ فإنَّ عليهم الوعى بأنَّ آمال الجمهور كبيرةٌ، والعيون كلّها على الوزراء الجُدد، وأنَّ النقدَ لن يُفارقهم منذ أداء القَسَم وقبل أن يُحيطوا عِلمًا بأركان وزاراتهم وملفّاتها، وسعةُ الصدر هنا واجبٌ لا مَكرُمة، واستيعابُ المُختلفين فريضةٌ لا فضيلة، وحيويّة الحركة والخطاب ومُوافاة الناس بالحقائق حصانةٌ يجبُ اغتنامها دون تراخٍ أو تفريط. المصريون قادرون على الاحتمال، ويلتمسون الأعذار دومًا؛ إنما الحدُّ الناظمُ لتلك الروح أن يستشعروا الجدِّيَة والإخلاص، ومن قبلِهما الصدق والمُكاشفة أوَّلاً وأخيرًا.
تعرفُ الحكومةُ أولويَّاتها بطبيعة الحال، وتلقَّت فلسفةَ المرحلة وركائزَها الأساسيّة من خطاب التكليف الرئاسى، إنما لا مانعَ من التذكير بأننا إزاء امتحاناتٍ واجبة الحَسم على وجه الاستعجال، أعلاها أثرًا وإلحاحًا ما يخصُّ الطاقةَ، لناحية حلِّ التعقيدات القائمة فى ملفّ الكهرباء، أو تنويع المزيج الطاقوى، والتوسُّع فى قُدرات الإنتاج على المحاور التقليدية والمُتجدِّدة والخضراء. كما لا يقلُّ موضوع الأسعار ومُعدَّل التضخُّم فى الرُّتبة أو القيمة، ويفرضُ الاشتغالَ الدؤوب على الإتاحة وضبط السوق ومُواجهة الانفلات من جانب بعض التُجّار والمُستوردين، بجانب ترشيق السياسات المالية والنقدية؛ بما يسمحُ بتحييد قيود النقد الأجنبى وترشيد عجز الموازنة، والاتجاه المُتدرِّج إلى التيسير النقدى لإعادة تنشيط الاستثمار وخفض الأعباء عن المالية العامة.. نحتاج للبحث عن حلول إبداعية وغير تقليدية للتمويل، والشراكات التنموية، وإلى تخارج الدولة من الاقتصاد وتحفيز القطاع الخاص، أمَّا الإضاءةُ الإيجابية التى ستُسعِفُ كلَّ ذلك وتُضاعِفُ قيمتَه؛ فأنْ يضربَ الوزراءُ الجُدد المِثالَ للجميع فى تجاوز المظهريَّات، وترشيد الإنفاق، ووضع رُؤيةٍ تقشُّفيّة فى كلِّ الأُمور غير الضرورية.
باستثناءِ الحُلول المطلوبة للمُشكلات القائمة؛ فإنَّ معيارَ الإنجاز لتلك الحكومة سيتحدَّدُ فى ضوء القُدرة على تنصيب الاقتصاد فى مساره الصحيح، وتعويض ما فات فى جانب بناء الإنسان، واستنهاض الهُويَّة الوطنية وإزالة ما علَقَ بالوعى من تشوُّهات فى سنوات الفوضى وما بعدها. الرهانُ على الجميع بالتساوى، إنما يتقدَّم رئيسُ الوزراء خطوةً بحُكم الموقع والولاية، ويحلُّ محمود فوزى كذراعٍ للاتصال السياسى بين أهمِّ عناصر الحكومة وعوامل قوَّتها، لا بالشخص رغم تقديرنا الرفيع له، بقدرِ ما هو بالمهمَّة وطبيعتها الضرورية، وما يترتَّب عليها من إنضاجٍ للأداء التنفيذى وتنشيطٍ للبيئة السياسية. لا أرى أننا إزاء تحويرٍ فى الشكل؛ بل تأخذُ فلسفةُ البناء والتأسيس هيئةَ مُغايرة، تُبشِّر بتغيُّراتٍ مُواكبةٍ فى المضمون، ستتفاوت أو تتبدَّل بحسب ما يُبذل من عملٍ فى الفترة المُقبلة. وإذا كان من التزاماتِ الوزراء الجُدد أن يكونوا على قدرِ التطلُّعات، وأن يبذلوا جهدَ طاقتهم وما فوقَه أيضًا، و»يقيدوا صوابعهم العشرة» كما يقول المَثَل الشعبىُّ؛ فإنَّ على المجال العام بكلِّ فئاته، النخبة قبل العوام والفقراء قبل المُقتدرين، أن يُواكبوا المرحلةَ بمزيدٍ من الصبر والثقة، دون أن يُغنيهم ذلك عن الكلام والنقد والمُلاحظة والتصويب. إنهم وجوهٌ مصريَّة انتُدبِت من بيننا لمهمَّة وطنية، ونعملُ فى مواقعنا مثلما يعملون فى مواقعهم، ولا خلاصَ لنا جميعًا إلّا بأنْ يجتهدَ كلُّ فردٍ فى مساحته، وأن تظلَّ عينُه على المساحات المُحيطة أيضًا؛ فبالتشارُكيَّة والاجتهاد والمُراقبة والتقييم تُسدَّد الخُطَى ويصلحُ الزرعُ وتطيبُ الثمار.