التعبير في هذا العنوان ليس لي، هو تعبير استخدم كثيرا مقترنا بهذه المبدعة المعمارية العراقية، أو عراقية الأصل، التي عاشت مغتربة، وربما ملتبسة الهوية، لفترة طويلة خارج العراق، وحصلت على الجنسية البريطانية، وقامت بتصميم أعمال معمارية كثيرة في عدد كبير من البلدان، وبالتدريس وإلقاء المحاضرات في جامعات عالمية شتى.
..الحديث يطول عن حياتها (1950 ـ 2017) الحافلة بالأحداث وبالتحولات الدرامية، وهي أحداث وتحولات تصلح للمعالجة في مسلسل أو في فيلم طويل، ويمكن لمن يشاء ولمن تشاء الوصول إلى تفاصيل هذا كله بسهولة على شبكة الإنترنت..
.. والحديث عن أعمالها المعمارية فريدة التصميم يطول أيضا.. ويمكن التعرف على هذه الأعمال بسهولة فور مشاهدتها أو مشاهدة صورها، بخطوطها المنسابة البعيدة عن الحدة، وبمنحنياتها التي أكسبتها ذلك التعبير الحاضر في عنوان هذه الكلمات..
تعددت مشروعاتها.. ومنها معرض روكا في لندن، وهنجر بورج في النمسا، ودار أوبرا جوانزو في الصين، ومركز حيدر علييف في أذربيجان، وجسر الشيخ زايد في أبو ظبي، والمبنى العائم في دبي، ومقر شركة بيئة في الشارقة، والمسرح الكبير في الرباط (ولها مشروع "نايل تاور" في القاهرة، ولم يبدأ تنفيذه بعد).. ولها مشروعات أخرى كثيرة في بلدان متعددة: ألمانيا وإيطاليا وسنغافورة، وغيرها..
في أعمالها أعادت زها حديد الاعتبار لروح الأمومة في التصميم المعماري، وهي روح كانت حاضرة في تصميمات معمارية قديمة جدا، بل كانت حاضرة في تخطيط المدن نفسها (ومنها تخطيط المدينة المصرية القديمة، بشكلها الدائري.. وهناك كلمة أو علامة مصرية قديمة، هي "نيوت"، تشير إلى معنيين: الأم والمدينة معا)..
وتصميمات زها حديد، من ناحية أخرى، تمثل "رد فعل" على عمارة الحداثة، التي انتشرت في القرن العشرين: الأبراج النمطية الضخمة االشاهقة، التي ثبّتت جبروتها في الأرض، بخطوطها المستقيمة رأسيا وأفقيا، وبقيامها على مفهوم "استهلاك المكان"؛ أي بناء أكبر عدد من الوحدات على أصغر مساحة ممكنة من الأرض..
وبوجه عام، استندت تصميمات زها حديد إلى قدر كبير من الخيال، والتحرر، والمرونة، والانسيابية.. ولها تصميمات أخرى في مجالات غير العمارة: طباعة الأقمشة، وملابس السيدات، والأثاث.. وغيرها..
حصلت زها حديد على جوائز وأوسمة كبرى، واستطاعت أن تفرض حضورها المبهر في مجال الهندسة المعمارية، وأن تثبت بعبارتها أن هذا المجال "ليس حكرا على الرجال"..
ومع كل النجاحات التي حققتها، والتفوق الذي وصلت إلى أعلى درجاته، لم تخل حياة زها حديد من أوجاع مقيمة، ولم تخل أيضا من صراع متصل.. وقد استوقفتي عبارة قالتها في واحد من أحاديثها الكثيرة: "كان من الممكن أن تكون الفرص المتاحة لمشاريعي أكثر بكثير لو كنت ذكرا غربيا أبيض" !
.. كانت زها حديد امرأة سمراء، سليلة أصل عربي ممتد.. ومع ذلك حققت مجدا مشهودا لا يستطيع تحقيقه الكثير من البيض الذكور!
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة