لعل أجمل ما في عملى هو البحث دائماً عن التاريخ والآثار .. ليس فقط البنايات والقطع الفنية والأثرية، وإنما أيضاً القصص والحكايات العجيبة التى تحدثنا عن هؤلاء الذين أمروا ببناء العمائر، وكذلك العمال والفنانون الذين شيدوها أو صنعوها ، وأيضاً من حافظوا واحتفظوا بها عبر السنين. وأعجب كثيراً من معظم الأثاريين الذين يوجهون جل اهتمامهم إلى الآثار دون الأشخاص، وهؤلاء جزء لا يتجزأ من الأثر. كنت أسعد الناس جميعاً عندما وجدنا فى السجلات القديمة صور وأسماء الأشخاص الذين ارتبط علمهم بأول متحف للفن والآثار الإسلامية فى العالم كله، والذى بدأ تحت اسم دار الآثار العربية"، وكان موقعه داخل جامع الخليفة الفاطمى الحاكم بأمر الله بجوار باب الفتوح بالقاهرة التاريخية.. أولئك الذين عثرنا عليهم من بطن التاريخ المرحوم مأمون أمين الشيشينى بواب وحارس دار الآثار العربية "متحف الفن الإسلامي" في السنوات الأولى من إنشاء المتحف في جامع الحاكم بأمر الله.
وقد وجدنا له صورة رسمية تصوره رجلاً في العقد الخامس من عمره يرتدى الجلباب وعلى رأسه عمامة بيضاء وتبدو على ملامحه الجدية والحزم باعتباره حارس وبواب دار الآثار العربية، ويحمل على صدره رقم (17) مما عثر عليه إلى جانب صورة عم مأمون الشيشينى السجل الخاص بتسجيل القطع الأثرية وأرقامها مسجلة بخط اليد تحت بند بيان الأصناف، ثم بنود أخرى عن مفاسات الصنف المقصود به الأثر من طول وعرض وأهم البنود الموجودة فى الكشف هو بند (الثمن)، حيث كان لابد من تتمين كل قطعة أثرية وعمل فني باعتبار أنه عهدة رسمية حتى يمكن مجازات صاحب العهدة فى حال ضياعها أو تلفها..
ومما كتب فى هذا السجل وصف لقطعة أثرية من الرخام الأبيض عليها زخارف بارزة وكتابات بالخط الثلث، وجاء تتمينها بـ (خمسين مليم) مع العلم بأن الجنيه المصرى يتكون من ألف مليم)، وتراوحت أثمان الآثار المسجلة فى هذا السجل ما بين خمسين مليم وحتى خمسة جنيهات أن نلفت النظر أن ذلك كان فى سنة 1881م. والآن نحن لا نضع أثمان لقطع أثرية ونعتبرها ويجب جميعاً من الأعمال الفنية التي لا تقدر بمال.
ومن ضمن الوثائق التى عثرنا عليها اسم وصورة الموظف المسئول عن التسجيل وكتابة السجلات وهو المرحوم أحمد أفندى طاهر كاتب سجلات دار الآثار العربية من سنة 1882م إلى سنة 1932م.. أى أنه ظل لخمسين عاماً يعمل كاتباً للسجلات وبفضله حفظت لنا هذه السجلات على مدار خمسة عقود، وكان من السهل علينا العثور عليها في أرشيف متحف الفن الإسلامى نتيجة وجودها فى يد موظف واحد على
مدار خمسين عام..
والصورة التي عثر عليها لهذا الموظف المخدرم تصوره برداء رسمى يتكون من جاكت ذي ياقة من القطيفة وأسفله صديرى من نفس القماش، وقميص أبيض قصبر الرقبة وبابيون أسود، وقد غطى رأسه بالطربوش التقليدي!
ليس أفضل في العالم كله من وجهة نظرى من أن نعرف إنها حكاية هؤلاء الذين أداروا وكانوا حراساً على أول متحف إسلامى فى مصر والعالم استطعنا بعد سبع سنوات من العمل الدءوب منذ عام 2003 أن نعيد إليه بهائه ومهابته التى كادت تندثر تحت وطأة تقادم السنون عليه.. دعوة مفتوحة لكل الناس لزيارة أجمل متاحف الفنون الإسلامية فى العالم كله ومكانه بباب الخلق بمدينة القاهرة التاريخية..
لذلك أطلب من كل مخرجي الأفلام التسجيلية التي صورت معي ان نلقي الضوء علي هؤلاء النجوم اللذين لا نعرف عنهم شيء ولذلك طلبت من ماكس سولمان مخرج فيلم المجهول الهرم المفقود ان يصور مع الريس عمار الذي يعمل معي في الحفائر.